الأسرة هـي مصنع الرجال
أن الأسرة في الشريعة الإسلامية مقدسة روحاً ومعنى، والشارع الحكيم قصدها في عقيدتها وعملها وسلوكها، إذا في استقامة الأسرة حياة للشعوب ، وفي انحرافها خراب ودمار، وجعل القوامة فيها للرجال وخصّص بذلك الأب وخاطبته الشريعة بما له وما عليه حتى يقود الأسرة إلى سفينة النجاة…
مفهوم الاسرة واهميتها
الأسرة هي مصنع الرجال، وإذا أردت أن تحكم على مستقبل أية أمة، فما عليك إلا التحقق من نهج الأسر في التعامل مع أبنائهم الذين سيكونون آباء وأمهات المستقبل…
إن الأسرة هي العامل الأول والأساسي في تكوين الكيان المجتمعي والتربوي , حيث تسهم في تكوين شخصية الأبناء وتعليمهم العادات والتقاليد والتربية والدين …. لذلك هي من أهم مكونات المجتمع , فالطفل غالبا يقلد أبوية اللذان ربياه في السلوك والعادات , لهذا نقدم لكم تعريف الأسرة وما هي وظائفها؟
لذلك لا يكتفي دور الوالدين بتوفير الاحتياجات المادية لأبنائهم، معتقدين أن هذا هو غاية المنى ومنتهى الأمل، لكن يجب أن يكون هناك حوار دائم ولقاءات ثابتة مهما كانت مشاغلهم ، فضلاً عن توسيع نطاق القاسم المشترك بين الآباء وأبنائهم ، مثل صداقاتهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومشاركتهم بعض الاهتمام أو التظاهر بذلك، لفتح مجال أكبر للاقتراب من أفكارهم، فهم ولدوا لزمان غير زماننا…
إن بناء الرجال قرين بناء الأوطان، لأنهم المدافعون عن الوطن والحامون له، لذلك في تقديري أن الترابط الأسري من القضايا المتعلقة بأمن الوطن الذي يبدأ من الأسرة، وإذا كان الأمر كذلك، فلا ينبغي أن يتنازل الأبوان عن هذا الدور ليقوم به غيرهما، لأن كل رجل عظيم محقق لذاته ونافع لمجتمعه، هو ابن لأسرة مترابطة، لذلك أعود وأكرر أن الترابط الأسري هو الطريق إلى مجتمع آمن…
دور الأب تجاه أبنائه
إنّ دور الأب التربوي كبير جداً فهو البيئة الأولى التي يتلقى فيها الأبناء جميع السلوكيات والقيم والأخلاق والثوابت وعلى عاتقه يقع الدور الكبير في وقاية أبنائه من جميع أشكال الانحراف الفكري وتعزيز المناعة الفكرية لديهم منذ طفولتهم لينشأوا قادرين على مواجهة التحديات الفكرية وخاصة في ظل الانفتاح العالمي على كافة الثقافات والتوجيهات…
وذلك من خلال ترسيخ مبدأ الثوابت الأصلية النابعة من العقيدة الاسلامية والأخلاق وتفاعلها مع المتغيرات والمستجدات باعتدال وتوازن , وعلى الأب أن يكون واعيا لما يقوم به أولاده من أعمال ومطلع على اتجاهاتهم وأفكارهم من خلال المناقشة معهم المستمرة وسماع آرائهم لما يدور حولهم وبالتالي تصحيح آرائهم اعتماداً على ذلك أو توضيح ما يجدونه غير مناسب ولا يتوافق مع العقيدة والأخلاق …
وخاصةً مراقبة الأبناء عند دخولهم على مواقع الانترنت المختلفة للتأكد من صلاحيتها وطبيعة الفكر المنبثق من هذه المواقع إضافة إلى حرص الأسرة على معرفة رفاق الأبناء وكيفية تفكيرهم بالجلوس معهم والتحدث إليهم لتكون هناك صورة واضحة عن منطق الرفقاء وتوجهاتهم …
لأن بعض الأبناء إذا شعروا ببُعد الآباء عنهم يلجؤون إلى الرفقاء وإلى العزلة الشعورية عن الأسرة مما يؤدي إلى تلقيّه لبعض الأفكار التطرفية التي تعزله عن مجتمعه و أسرته…
الدور البنائي
وهو أن يقوم الأب بدوره في تربية الأبناء وتنشئتهم التنشئة الإسلامية الصحيحة ويقوم بمسؤوليته التي فرضها الله عليها، وهذه المسؤولية قد عبَّر عنها القرآن بقوله تعالى ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) سورة التحريم، وعبّر عنها رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم – بقوله : ” كلّكم راعٍ وكلّكم مسئول عن رعيته”…
الدور الوقائي
وهو دور لابد أن يقوم بحماية أفراد أسرته وتحصينهم من الأفكار الضالة والتوجهات المنحرفة، فالأب هو المسؤول الأول عن سلامة أفكار أولاده والمحافظة على نقاء الفطرة الأولى التي فطر الله بها العباد، قال – صلى الله عليه وسلم ” ما من مولود إلا ويولد على الفطرة “…
وبحكم أن مجتمعنا مجتمع مسلم محافظ لا يعرف كثير من أفراده الأفكار المنحرفة والتوجهات المبتدعة فإن المسؤولية تكون على الأب مضاعفة في تحصين الأبناء وتوفير المناعة الفكرية لهم منذ طفولتهم لينشؤوا قادرين على مواجهة أي تحديات فكرية أو مخاطر عقدية، خاصة بعد الانفتاح الكبير في وسائل الاتصال والمعلومات …
الدور العلاجي
وهو الدور الذي نسأل الله تعالى ألا يقع فيه أحد، وهو دور الذى يقوم فيه بمعالجة ما تجده في الأبناء من مؤثرات فكرية أو شبهات عقلية، ويجب ألا يتهاون الأب في حل ما يجده من انحراف في أفكار الأبناء وتوجيههم الوجهة السليمة وتأهيلهم لكي يعودوا لمجتمعهم ولأسرهم صالحين مصلحين…
إلا أننا نحمّل الأسرة الدور الأكبر والأول في تأصيل القيم وغرس المبادئ وحماية الأفكار وتقوية المناعة لدى الأبناء , ونؤمنُ بضرورة أن يكون ذلك في وقتٍ مبكرٍ جداً …
وإننا ندرك تماماً حجم المسؤولية الملقاة على عاتق الأبوين خاصة لكننا ندرك أكثر أن التفريط في هذه الأمانة والتقاعس عن حمل تلك المسؤولية نتيجته وخيمة على المجتمع بأسره …
كما أن الإفراط في القسوة في التعامل معهم والاعتقاد أن التربية بالعنف تصنع الرجال فهو يجانبه الصواب، لأن العنف والقسوة يولدان لدى الطفل الخوف من إبداء الفكرة ، فضلاً عن القيام بسلوك، وهو ما من شأنه وأد الدافعية لديه، وانطواؤه على نفسه، والعجز عن اتخاذ قرار ما، وقد يفضي في النهاية إلى انسحابه من الحياة الاجتماعية…
وهو ما يشير إلى أهمية غرس القيم التي تحظى بالرضى العام والاتفاق المجتمعي، بحيث يكون من شذ عنها شذ عن العقد الاجتماعي، والتراضي العام الذي يتم عبر الحوار والتوجيه الاجتماعي والتواصل بين الأجيال الذي حافظ على قيم المجتمع وتوازنه مع الانفتاح على الثقافات كافة، استناداً إلى واقع ثقافي واجتماعي متين.
من هنا تجيء المقولة الكاشفة «إن الرجال لا يولدون، بل يصنعون»، تعبيراً صادقاً عن دور الآباء المحوري في صناعة مجتمع آمن بمعناه الشامل والواسع الذي يعني أنه آمن في فكره وثقافته، وآمن على حاضره ومستقبل أبنائه، وآمن على مكتسباته وإنجازاته.