قصة للروائى .. أشرف الجاويش
مكثت بغرفتي ثلاثة أيام لا أخرج منها إلا لقضاء حاجتي.. وقد امتلأت غرفتي بسحب الدخان ورائحته.. أفكر..
ولا أهتدى لجواب مقنع.. ها قد قتلت باميلا.. ومارتن.. وهانسن..
لو يتبقى سوى السيدة جانت العجوز.. صاحبة محل العطر.. ولكنها عجوز أوشكت على الموت..
لا تقوى على المطاردة والقتل.. ولا سيما قتل رجال مثل باتريك ومارتن..
ولا أراها تقدر على قتل باميلا أو هانسن كذلك.. وإن كانت هي فلم كتبت ” P” وليس ” J”؟!!..
لن أظل هكذا.. إن لم يقتلني ذلك المجرم أيا كان.. فسوف يقتلني الشك.. الخوف.. والقلق.. عزمت على معاودة التحري مرة أخرى..
سوف أنزل إلى السرداب مرة أخرى.. وأرى ماذا أجد.. أو ماذا يحل بي.. أخذت حماما دافئا.. ارتديت ملابسي.. وهممت بالنزول.. لقد
تجهزت جيدا هذه المرة.. كشاف قوى.. مسدس ورصاصات تفي بالغرض.. وسكين حاد.. وأشياء أخرى.. مررت بالأواني الزجاجية..
أمشى بحذر.. ويدى اليمنى فوق مسدسي تحسبا لأى حركة مفاجئة.. تابوت على الأرض تنبعث منه رائحة كريهة.. أكشف غطاءه.. إنه
هانسن وقد بدأ جسده في التحلل.. أذكر ملابسه جيدا.. وجسده.. الرأس غير موجود بالطبع.. صوت أقدام خلفي.. تقف.. لابد أنه القاتل..
وقد حان دوري.. أنهض بهدوء وقد وضعت يدى على مقبض المسدس.. أخرجه بقوة وأصوب.. فتاة الفراشات.. ما زلت أصوب.. تنظر إلى
عيني بقوة.. وتشير إلى الناحية الأخرى.. “من هنا أيها المحقق.. من هنا.. إنهم في انتظارك.. ولكن كن حذرا”.. تمشى أمامي بخطوات
ثابتة واثقة.. تختفى تدريجيا.. أعود من حيث أتيت.. يستوقفني رأس باميلا.. عيناها شاخصة مذعورة.. أبسط يدى.. أمسك الاناء
الزجاجي.. أدقق النظر.. يد باردة فوق كتفي.. يسقط الاناء وقد فزعت أنظر من خلفي.. فتاة الفراشات.. “ليس هناك وقت أيها
المحقق”.. ألتقط أنفاسي.. كادت أن تزهق روحي.. أهبط على ركبتي.. أحمل وجه باميلا من على الأرض بعد أن تحطم الاناء الزجاجي..
مستحيل.. مستحيل.. أرمى به بعيدا.. يتدحرج ككرة مطاطية.. عليك أن تجهز نفسك الأن لكل مفاجأة ممكنة.. ولنبدأ ترتيب أوراقنا من
جديد.. أخذ نفسا عميقا.. ساخطا.. من يتلاعب بي بهذا الشكل؟!!.. أتابع السير.. الممر الأكثر وحشة.. أتبع فتاة الفراشات.. تظهر
وتختفى.. أشعر بتشويش وتداخل في أفكاري.. وكأنها ليس لها وجود إلا في ذاكرتي.. “هنا.. هنا أيها المحقق.. لن تراني مرة أخرى”..
تشير إلى باب ضخم من.. لست متأكدا.. باب شفاف.. لكنه لا يظهر ما خلفه.. أمد يدى.. تخترق الباب.. وكأنه باب من ماء.. لا تبتل يدى
مع ذلك.. أدخل في ترقب.. ما هذا؟!!.. توابيت بيضاء.. من القطن.. أو هكذا ظننت.. معلقة إلى السقف.. تربط فيما بينها كابلات من
الألياف.. ما يقرب من العشرين تابوتا.. لا مكان لتوابيت أخرى.. وكأن العدد قد اكتمل.. وتتصل فيما بينها من الأسفل بأنابيب ضيقة تصب
كلها في برميل زجاجي ضخم.. أقترب في ذهول.. أتحسس أحد هذه التوابيت.. ناعمة كالحرير.. إنها مثل شرانق دود القز.. من قام
بتصميم هذا؟!!.. وماذا يوجد داخل هذه الشرانق؟!!.. وما هذا السائل المستخلص؟!!.. مرآة معلقة بالجدار.. وجه هانسن يبكى.. أقترب
مندهشا.. ينتبه لوجودي.. يلوح لي أن أبتعد.. يدفعني فضولي.. فأقترب.. أنظر.. أدقق النظر.. يريد أن يقول شيئا.. ينظر في عيني
خائفا.. يختنق.. شيئا فشيئا.. وجهه شاحب.. عيناه ذابلتان.. يسقط.. لا وجه في المرآة.. بخار يتصاعد من المرآة.. يقتحم أنفى..
أنتفض.. عيناي في ذبول.. صورة مشوشة.. ووجه مارتن العجوز يبتسم.. وصوت جانيت.. ”
أهلا بك في عالمنا.. ننتظرك في شغف.. أسقط مغشيا على.. مر وقت غير طويل.. أفيق من غيبوبتي.. ووجه مارتن.. ”
ها قد عدت الأن”.. أحرك شفتاي وقد ثقلتا.. “أيها العجوز اللعين.. أنت من فعلت كل هذا؟!!..
لا أصدق”.. وصوت العجوز.. “ليس وحده أيها المحقق.. كنت تتبع خطواتنا.. كما رسمناها لك.. أحسنت”.. “جانت.. أيتها العجوز القبيحة..
ما الذى يربط بينكما؟!!.. ولم تخطفان البنات.. وتقتلوهن؟!!”.. “أهلا بك ريتشارد”.. أنتفض.. أميز هذا الصوت جيدا.. “باميلا؟!!..
مستحيل”.. “ما دليلك أيها المحقق على قتلهن.. إنهن هنا.. أحياء يرزقن”.. أقلب عيناي في وجوههم.. “ما الذى يجمع بينكم
جميعا؟!!.. هيا يا هانسن أخرج.. أعلم أنك هنا.. وأنت يا فتاة الفراشات.. ليظهر الجميع.. لولا قيودي بهذا الكرسي لقضيت عليكم جميعا
دون رحمة”.. تقترب باميلا في كبرياء.. تنظر إلى وجهى.. تبتسم.. “لقد قتل هانسن.. لم يكن واحدا منا.. أراد ذلك.. فقتل.. وأنت؟.. ماذا
تريد؟!!”.. “رؤوسكم جميعا.. أنت إذا صاحبة حرف ” P” اللعين”.. تأخذ نفسا عميقا.. تمشى في كبرياء.. “نحن جزء بسيط من مخطط
كبير.. كبير جدا.. يفوق تخيلك أيها المحقق.. أعرفك بهؤلاء”..
تظهر شاشة كبيرة بجوار المرآة.. رجل أنيق يبتسم.. “السيد “هاري”.. خبير صناعة الأطراف والأقنعة.. يمكنه صناعتك كاملا من المطاط..
وقد خدعت.. لا تنكر ذلك.. السيد “جونسون”.. رجل الكيمياء الأول في العالم.. لقد استنشقت بعضا من سمومه الأن.. كما فعل هانسن
من قبل.. إنه يتغلغل ببطء في جهازك العصبي الأن.. لكن لا تخف.. اللقاح موجود.. وهذا يتوقف على الجانب الذى سوف تأخذه.. هل
تصير معنا أم ضدنا؟.. إن كنت معنا.. أهلا بك عضوا جديدا في عالمنا.. وإن كنت ضدنا.. فمصير هانسن ينتظرك”..
“أين الفتيات اللاتي تقومون بخطفهن؟!!..
ولم؟!!..
وما سر فتاة الفراشات؟!!
وما هدفكم من كل هذا؟!!”..
تنظر في عيني وقد اقتربت.. “أجيبك عن ثلاثة.. أين الفتيات؟..
إنهن حولك في كل مكان”.. تشير إلى الشرانق.. “ولم؟!!..
من أجل هذا”.. تشير إلى السائل داخل البرميل الزجاجي.. ”
أما عن سر فتاة الفراشات.. فقد استنسخنا ذاكرة مجمعة منهن جميعا.. عالجناها.. حتى تصير كما نريد.. وزرعتها بجسدك في لقاءاتنا
الحميمية.. هل تذكرها؟.. كانت رائعة.. حتى تمكنت من إدخالها إلى جهازك العصبي.. فتطورت إلى هلاوس سمعية وبصرية.. أتت بك
الى هنا.. هذا بإيجاز.. وهذا الجزء هو محور عملنا..
وليس مسموح لي بأكثر من ذلك.. أما سؤالك الأخير.. وهو ما الهدف من كل هذا؟.. فيجيبك عليه السيد “P” رئيسنا المباشر.. تنظر إلى الباب.. يدق قلبي بقوة كادت أن تحطم عظام صدري.. “مستحيل.. لابد وأنه فخ أخر من فخاخكم”.. يضحك بقوة “لا.. لا يا صديقي.. إنه
أنا تماما كما تراني.. ليست هلاوس بصرية.. أنا باتريك.. المحقق باتريك.. أهلا بك في عالمنا.. الهدف يا صديقي العزيز يفوق تخيلك..
كما أخبرتك العزيزة باميلا.. نحن مجرد ألة تنفذ ما يطلب منها.. نتقاضى أموالا طائلة.. نعمل على هذا المشروع منذ أن كانت باميلا في
الخامسة عشرة من عمرها.. وها قد أوشك على الانتهاء.. هذا السائل يا صديقي له شأن عجيب.. سيكون سلاحا فتاكا في تغيير
السياسة الداخلية والخارجية لأمم بكاملها.. والعالم أجمع.. قنبلة جديدة.. من نوع خاص.. لا نيران.. ولا أشلاء.. فقط.. تستنشق..
وتؤمر.. فتنفذ وأنت راض وتبتسم.. سأخبرك المزيد ولكن ليس الأن.. فلدى لقاء هام لابد أن أتجهز له.. السيد ينتظرني.. أما أنت..
ستظل هنا.. حتى تحسم أمرك”.. يبتسم ساخرا.. أحاول أن أنتفض.. أن أفك قيودي.. لا فائدة.. أصرخ “لابد أن أعرف من هذا الرجل..
لابد أن يقدم للمحاكمة.. من هذا السيد؟!!.. يلتفت إلى.. يبتسم.. “إنه السيد “P “…