منصة المشاهير العرب مرخصة من الهيئة العامة للاعلام المرئي والمسموع السعودي , ترخيص 147624
مجالس العز

آداب المجالس.. عنوان رقيّ الإسلام وتحضُّره

09/ يونيو /2023
avatar admin
622
0

لم يترك الإسلام سلوكاً للإنسان إلا وضبطه بضوابط مثالية، وأحاطه بأخلاقيات راقية، تؤكد منهجه في تهذيب السلوك، والارتقاء بالمشاعر، والرقي في التعامل، واحترام حقوق الآخرين، والتحاور معهم بأدب، واستماع آرائهم باحترام، والخلاف معهم وفق الضوابط والقواعد الأخلاقية التي تعلمناها من ديننا، لاحترام آداب المجالس.

يؤكد د. أحمد عمر هاشم، عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف أن الإسلام أرسى آداباً وأخلاقيات راقية في المجالس، فالمسلم مطالب بأن يتخلق بأخلاق دينه في كل مجالسه، فيلتزم بالذوق العام الذي رباه عليها الإسلام، فيحرص على خلق «القصد في الحديث، وعفة اللسان واحترام آراء الآخرين، والاستماع إليهم، والاختلاف معهم بأدب»، ويقول: المسلم الحق هو الذي يتحكم في لسانه، ويضبط ألفاظه، ولا يسيء إلى الآخرين بألفاظ جارحة، يقول صلى الله عليه وسلم: «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه».

 

يجب على الإنسان الذي تربَّى على تعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقياته أن يعوّد لسانه على الألفاظ الجميلة، والتعبير الحسن، والكلمة الرقيقة، لأن الكلمة الطيبة تأسر القلوب، وهي أسرع بريد للقلوب، فكم من حروب وفتن ومصائب حدثت بسبب كلمة منفلتة ألقاها صاحبها دون أن يلقي لها بالاً، ولذلك حذرنا الإسلام من الكلمات المنفلتة غير المسؤولة التي تجلب لصاحبها وللآخرين كثيراً من المصائب، وأمرنا الحق سبحانه وتعالى أن نقول للناس كل ما هو حسن وجميل.

  • القصد في الحديث

واستقامة شخصية المسلم – كما يؤكد عضو هيئة كبار العلماء- تنبع من إيمان صاحبها، وإخلاص قلبه، واستقامة لسانه، والقصد في الكلام من أهم ما يستقيم به اللسان، فلا يتكلم الإنسان إلا بعد تفكير وروية، فالإنسان الذي يوطن نفسه على القصد في الكلام، يقل خطؤه ويحسن قوله، ويتسم بالروية وعدم الاندفاع في الكلام، فهو إما أن يقول الخير، وإما أن يؤثر السكوت، ويلوذ بالصمت، وفي هذا ما يجعله مرموق الشخصية، محبوب الحديث لا يتبرم الناس بمجلسه، ولا يستثقلون رأيه، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحم الله امرأ قال خيرا فغنم، أو سكت فسلم».

ومن القصد في الكلام الذي علمنا إسلامنا إياه الإعراض عن اللغو والترفع عن الاسترسال فيه مع الغير، قال سبحانه: «وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين».

  • أدب الحوار

يؤكد د. عطية لاشين، أستاذ الشريعة الإسلامية بالأزهر وعضو لجنة الفتوى المركزية بالجامع الأزهر، أن الإسلام يرسخ كل صور الرقى والتحضر في المجالس، فهو يلزم الإنسان أولاً بالتحاور مع الآخرين بأدب، وعدم التحقير من آرائهم مهما كانت تفاهتها وعدم جديتها، والمسلم في حواره مع الآخرين يلتزم الصدق ويتحرّى الحقيقة، ويلتزم بالموضوعية، وعدم الخروج عن الموضوع الذي هو محل النزاع أو الخلاف، وإبراز الأدلة والبراهين التي تدعم رأيه، وأن يتسلّح في كلامه بالمنطق السليم، فضلاً عن التواضع، وتجنب الغرور، والتزام الأسلوب المهذب، وإفساح المجال أمام المناقش أو المعارض لكي يعبر عن وجهة نظره دون مصادره لقوله، أو إساءة إلى شخصه، وفي الوقت نفسه إعطاء الحرية للجانب الآخر، لكي يرد على المخالف له، بأسلوب مهذب، وبمنطق سليم، وبأدب جم، وبحرص تام على تبادل الاحترام فيما بينهما.

  • ثمار الكلمة الطيبة

يشير د. لاشين إلى بعض ما يحمله لنا القرآن العظيم من آداب وتوجيهات أخلاقية ترسي أدب الحوار والمناقشة في المجالس، أياً كانت هذه المجالس، فالقرآن يؤكد أن الكلمة الطيبة «كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء» ويشدد على حسن المجادلة، أي الحوار بالتي هي أحسن «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، وعدم رفع الصوت أثناء الكلام: «يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي»، والاستئذان قبل دخول البيوت، وغير ذلك من آداب المجالس، والتي ارتقى بها الإسلام وجعلها أدباً وخلقاً لا ينبغي أن يفارق المسلم في كل مكان يذهب إليه ويجلس فيه.

ويضيف: لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم نموذجاً للمسلم المتحضر في أدبه وسلوكه في المجالس، فقد كان يستمع إلى ما يقوله المشركون، ويصغى لأتباع الديانات الأخرى من المخالفين، ويجالس المسلمين بمختلف مستوياتهم، ولم يصدر منه قول نابٍ، ولا عبارة تؤذي المستمعين.

ويقول: الإنسان السويّ هو المعتدل المزاج، عفيف اللسان، متسامح مع الآخرين، يتحلى بالعفو عند المقدرة، ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى هذه الصفة من صفات وخصائص المؤمنين الصادقين، فقال في القرآن الكريم: «الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين».

ويتابع: في أشد حالات الغضب، ينبغي أن يتحلى بضبط النفس، فلا يغضب إلا لانتهاك حرمات الله، ولا ينساق وراء دسائس الآخرين.. وشأن كل من يلتزم بأدب القرآن، ويتخلق بأخلاق رسول الله أن يعيش حياته سعيداً مطمئناً، ويجلب الراحة والطمأنينة لنفسه في حياته وفى علاقاته بالناس، ويحمى نفسه من كل مكروه قد يجلبه له التوتر والانفعال والعصبية الزائدة.

  • تربية أخلاقية

تقول د. آمنة نصير، العميدة الأزهرية السابقة: من أهم أسس التربية الأخلاقية لأبنائنا أن نعلمهم (التسامح- والعفو عند المقدرة)، فالتربية الأخلاقية ترقى بسلوك الإنسان عند الغضب إلى درجة التسامح والعفو عن المسيء وليس معاقبته، والتحلي بهذه الأخلاق الفاضلة ليس ضعفاً، بل هي القوة بعينها، والاتزان النفسي والسمو الأخلاقي في أجمل صوره.. ولذلك يقول الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه: «واتبع الحسنة السيئة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن».

وتتابع: هذا الخلق الحسن يتجلى عندما يسيطر الغضب على الإنسان تجاه موقف يغضبه، أو سلوك يرى فيه إهانة أو إساءة، وهنا ينبغي على كل من يتعرض لموقف من هذا النوع أن يتذكر قول الحق سبحانه: «إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين».

نقلا عن جريدة الخليج

عن الكاتب : admin
عدد المقالات : 11242

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.