دبي (الاتحاد)
يمرّ قطاع الثقافة والفنون والإبداع في دبي بمرحلة تعد من أزهى مراحله في الوقت الذي انشغل فيه العالم بمواجهة تحديات عديدة ربما جعلت الحراك الثقافي والسعي لتنميته والاعتناء به يتذيل اهتمامات الحكومات والشعوب حول العالم، إذ يواصل هذا القطاع الحيوي في دبي ازدهاره وتطوره بجملة من الإنجازات المهمة التي باشرت على مدار السنوات الماضية تشكيل ملامح مشهد إبداعي جديد انطلاقاً من رؤية سديدة واستراتيجية شاملة لتحويل دبي إلى عاصمة عالمية للاقتصاد الإبداعي بحلول عام 2026، وتحويل الإمارة إلى وجهة مفضلة للمبدعين والمستثمرين ورواد الأعمال من كل أنحاء العالم؛ بهدف تحقيق الريادة العالمية في مختلف المجالات بما في ذلك المجال الثقافي والإبداعي.
ويتم تنفيذ استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي برعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي، عضو مجلس دبي، حيث تتولى الهيئة الإشراف على تنفيذ الاستراتيجية بالتعاون مع عدد من الشركاء الاستراتيجيين، بهدف خلق حراك جديد في قطاع الاقتصاد الإبداعي في إمارة دبي.
مناخ محفّز للإبداع
وتركز استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي على توفير المناخ الملائم والمحفّز للمبدعين لخلق قيمة اقتصادية مضافة لإبداعاتهم، عبر دمج الإبداع برؤوس الأموال الباحثة عن فرص استثمارية ذات مردود مميز، بما يعزّز مكانة دبي وجهةً عالميةً للثقافة والإبداع، ويثري دورها كمحرك رائد للاقتصاد الإبداعي في العالم، ويسهم أيضاً في تشجيع نمو قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية ليصبح رافداً قوياً من روافد المنظومة الاقتصادية المستقبلية المتنوعة لإمارة دبي والقائمة على المعرفة والابتكار والإبداع.
بيئة جاذبة
وقالت سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، رئيسة هيئة الثقافة والفنون في دبي «دبي للثقافة» وعضو مجلس دبي: «نُسخِّر كل الجهود والطاقات والإمكانات لتحقيق رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، في جعل دبي عاصمة عالمية للاقتصاد الإبداعي، من خلال توفير بيئة داعمة ومرنة للمواهب المبدعة من مختلف أنحاء العالم، تلبي احتياجات تطوير القطاع الإبداعي في الإمارة. ويتمثل أحد الأهداف الأساسية لاستراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي في تسهيل وتبسيط وتسريع الإجراءات التي تتيح للمبدعين تأسيس وإدارة مشاريعهم الإبداعية في دبي، ما يسهم في تحويلها إلى وجهة جاذبة لهم، وعاصمة للاقتصاد الإبداعي ومركز عالمي للثقافة، وحاضنة للإبداع، وملتقى للمواهب».
وأشارت سموها إلى أن الاقتصاد الإبداعي يسهم في الناتج المحلي الإجمالي بمعدلات تفوق المعدلات العالمية، لافتةً إلى أنه من المتوقع أن تشهد خلال السنوات القليلة المقبلة ارتفاعاً في نسبة مساهمة الصناعات الإبداعية في اقتصاد دبي بصورة أكبر. وختمت حديثها بالقول: «نواصل تأسيس بنية تحتية قوية ومستدامة تعزز نمو وازدهار الاقتصاد الإبداعي في إطار حرص دبي على الاسهام بشكل إيجابي في صناعة المستقبل».
استراتيجية الاقتصاد الإبداعي
وفي إطار استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي، أنشأت الإمارة بنية تحتية متطورة بهدف تهيئة البيئة التشريعية والاستثمارية اللازمة لازدهار قطاعات هذا الاقتصاد فيها، وزيادة جاذبيتها للمبدعين والمستثمرين ورواد الأعمال، وكذلك للاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية، وتوفير حِزَم من المُحفزات والحاضنات الإبداعية المتطورة، التي تواكب التطورات التكنولوجية السريعة، وتسخّرها لإثراء القطاع الإبداعي، وقدرته على الحضور والمنافسة، فضلاً عن توفير مناخ مناسب ومحفّز للمبدعين لتوليد قيمة اقتصادية مضافة، من خلال دمج الإبداع مع فرص الاستثمار الرأسمالي ذات العوائد المتميزة.
وتهدف استراتيجية دبي للاقتصاد الإبداعي إلى مضاعفة مساهمة القطاع الإبداعي في الناتج المحلي الإجمالي لإمارة دبي، من 2.6% في نهاية 2020، إلى 5% بحلول عام 2026، وكذلك مضاعفة عدد الشركات الإبداعية في مجالات المحتوى والتصميم والثقافة في دبي، من 8,300 شركة في عام 2020 إلى 15,000 حتى 2026، فضلاً عن مضاعفة عدد الوظائف الإبداعية في الإمارة من 70,000 إلى 140,000.
الشراكة مع القطاع الخاص
ويعود الفضل في جانب كبير من هذا الزخم الإبداعي في الإمارة إلى هيئة الثقافة والفنون في دبي، التي كُلفت بمسؤولية تنمية وتطوير هذا القطاع برئاسة سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، إذ تشكل الهيئة محرك الدفع الرئيس وراء الحراك النوعي الذي يتميز به المشهد الثقافي والإبداعي في هذه المدينة الطموحة التي تواصل الليل بالنهار عملاً وإبداعاً وعطاءً لتكون الأفضل في العالم للعيش والعمل والزيارة.
وتؤمن «دبي للثقافة» بقيمة وأهمية الشراكة مع القطاع الخاص، والتي تمثل إحدى الركائز التي قامت عليها نهضة دبي الحديثة على الصعيد الاقتصادي، إذ ترى دبي هذه الشراكة مقوماً أساسياً من مقومات نجاح أي مجتمع يسعى إلى التميز عالمياً، فيما تترجم هيئة الثقافة والفنون في دبي هذه القناعة بصورة عملية وعلى عدة صُعُد، من خلال سلسلة مجالس سمو الشيخة لطيفة بنت محمد مع أعضاء المجتمع الإبداعي، ولقاءات فريق الهيئة الدورية المستمرة مع القطاع لملامسة نبض المجتمع الثقافي والإبداعي والتعرف على مقترحاته وأفكاره لمزيد من التطوير، والتي تشكل جانباً من مرتكزات بناء استراتيجيات وخطط عمل «الهيئة» التي تنصب في مجملها على تعزيز المشهد الثقافي وإكسابه المزيد من مقومات القوة والتميز والنمو.
وفي إطار هذه الاستراتيجية الطموحة يحظى رواد الأعمال والشركات الصغيرة والمتوسطة المنضمة إلى المشهد الإبداعي من خلال منطقة القوز الإبداعية في دبي، برعاية كبيرة من قبل الجهات المعنية في دبي وعلى رأسها «دبي للثقافة» لخلق قيمة اقتصادية مضافة لإبداعاتهم، من خلال تسهيل ممارسة الأعمال للمواهب الإبداعية، وتوفير بيئة مبتكرة ومرنة تسهم في دعم تأسيس المواهب لمشاريعهم في إمارة دبي، ما يحفز نمو قطاع الاقتصاد الإبداعي.
وتعمل «دبي للثقافة» على تحقيق عدد من الأهداف المهمة في مقدمتها صون التراث الثقافي، وتعزيز مكانة دبي كوجهة ثقافية عالمية، وتصدير الثقافة المحلية ومنتجها الإبداعي إلى العالم، فضلاً عن خلق منظومة اقتصادية تحفز قطاعات الإبداع وتستثمر فيها، ورعاية بيئة خلاقة لإطلاق المواهب ونموها داخل منظومة التعليم وخارجها، علاوة على استقطاب مجموعة واسعة ومتنوعة من المواهب العالمية والحفاظ عليها، فضلاً عن دمج الفنون والإبداع في فضاءات ومساحات الحياة العامة، وتشجيع التفاعل المجتمعي مع البيئة الثقافية والإبداعية.
وجهة للمبدعين
وقد أدركت دبي منذ وقت بعيد أهمية الاقتصاد الإبداعي وتأثيراته الإيجابية على مجمل المنظومة الاقتصادية، إذ نجحت الإمارة في صياغة مفهوم جديد لريادة الأعمال الإبداعية حيث استثمرت في تأسيس المجمعات الإبداعية، وجذبت عدداً كبيراً من الشركات التي تضم آلاف المبدعين من كافة أنحاء العالم، ما نتج عنه ارتفاع مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي وظهرت الإمكانات الضخمة والواعدة لهذا القطاع بما يضمن لها دوراً محورياً في خدمة أهداف التنمية المستدامة. وبدأت دبي مسيرة الاقتصاد الإبداعي منذ عقود بتأسيس مجمعات إبداعية ضخمة ومتطورة في مختلف القطاعات مثل مدينة دبي للإنترنت، ومدينة دبي للإعلام، ومدينة دبي للإنتاج ومدينة دبي للاستوديوهات، وحي دبي للتصميم.
والمتتبع لقصة نجاح دبي لن يفوته أن سمة الإبداع لازمت هذه المدينة النابضة بمظاهر النمو والتطور على امتداد رحلتها التنموية وضمن مختلف محطاتها، إذ اتسمت كافة المشاريع العملاقة التي كونت بها سمعتها وأكسبتها شهرتها كواحدة من أسرع مدن العالم تطوراً، بصفة الإبداع سواء في الفكر أو وسائل التنفيذ، فيما واكب هذا النمو الاقتصادي السريع، نمواً ثقافياً وإبداعياً موازياً استمد زخمه من إرث ثقافي غنيّ وتنوع مجتمعيّ فريد جمع بين جنباته ثقافات نحو 200 جالية وجدت في دبي غايتها المنشودة لتنطلق منها نحو تحقيق طموحاتها لحياة أفضل وأوسع فرصاً.