بقلم : رشا الحسين الظريفى
أعطني مجتمعا منصفا
وعش حياتك آمن
وإذا أردت أن
تهدم مجتمع فعليك بالمرأة
؛ ظلما وقهرا واستبدادا ،
حينها ستكون ثورة لا
ترتقي لقوتها كل الثورات السياسية ،فالكبت
يولد الإنفجار قاعدة سلوكية متعارف عليها .
لقد خلق الله حواء من ضلع أدم ولذلك دلالة مهمة المساواة والمحاذة للقلب ، وجاءت الآية الكريمة (وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ) لتغلق باب الفضل والتفضل ،وماجاء بعد هذه الآية هو متمم تفسيري لمهمة معينة للرجل وهي الإنفاق .
وجاء تأكيد الخالق للمساواة في آيات كثيرة :
(الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ )والكثير من الآيات التي تفصل الصنف مقرونا بمثيله .
وهذه أحكام رفعت عنها الأقلام ، وجفت دونها الصحف .
لكن عبر تاريخ طويل خط بأيد ذكورية ، وفسرت التعاليم والشرائع بتفاسير ذكورية ،جاء بعضها منصفا والأغلب ،وليست المسألة فقط بالسلطة الذكورية بل بمتلازمة مزمنة تدعى العرف ؛ الذي ما كان له أن يستشري ؛ لولا تسلط بعض الجهلة وتصدرهم للمشهد الديني .. بفتاوه ما أنزل الله بها من سلطان .
خلق الله البشر ففطر لهم فطرتهم ،وسن لهم سنتهم وشرعهم لأنه وحده يعرف طبيعة البشر الفطرية، التي تقوم على استضعاف الضعيف ، والسعي لإثقال كاهله عبر منظومة أعراف وزيف اجتماعي ، يؤكد ميول البشر للعدوانية وحبهم للتسلط ،والإفساد بالأرض وأبشع انواع ذاك الذي يدس سموم الضغينة بين سطور الواجب والحق .
أنا كشخص اعتبر كل ماخرج عن الفطرة شذوذ وتطرف ، ولا يستطيع أحد أن يجزم بأن ثمة ديانة سماوية، تحمل ضمنا أي شذوذ وتطرف ، فأي تلفيق يتنافى مع الصفات التي وصف بها الله نفسه هو تطرف .
فبين عرف وظلم وعبر العصورالمنطوية ؛ نقرأ جوانب الإضطهاد الفكري الذي تعرضت له المرأة ، عبر منظمومة ظلمات سنها المجتمع بأعرافه .
في الآونة الأخيرة دارت عجلة الموت بشكل ملحوظ ، وفي مجالس عزاء مقربات لي كنت أسمع إفراطا غير مقبول من سنن عدة المتوفى عنها زوجها ، وصلت حد التشريع حتى بنوع القماش الذي ترتديه المعتدّى و الصابون والمشروب وتحريم بعض المنكهات والبهارات مع الأطعمة .
سؤال صال وجال في بالي هل قضى شرع الله أن تموت الزوجة بعد زوجها؟
هل نصت الشريعة على معاقبة الزوجة لموت زوجها ؟
هل أصبح الموت وسيلة للمجتمع وأهل الزوج لوأد الأرملة ؟
أي جاهلية تلك ؟!أي ظلم هذا ؟!و هذا الجهل والفكر الظال و مسؤولية من ؟!
للعدة أحكام واضحة جاءت في القرآن الكريم ،وكل ما عدا ذلك من إضافات هي خزعبلات جهلة ،فلا نص ديني جديد بعد القرآن (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة3
لقد خلطت أحكام العدة بين الإفراط والتفريط ، فالعدّة بكسرالعين كمسطلح شرعي :
هي المدّة التي تتربصها المرأة دون زواج ؛ للتأكّد من براءة الرحم .
وجاءت العدّة في النصوص القرآنية كالآتي :
– (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) البقرة234
– (وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ )البقرة 240
وللتنويه فإن الآية رقم 234 ناسخة للآية رقم 240
– (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِۦ مِنْ خِطْبَةِ ٱلنِّسَآءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِىٓ أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ ٱللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّآ أَن تَقُولُواْ قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُواْ عُقْدَةَ ٱلنِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْكِتَٰبُ أَجَلَهُۥ ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِىٓ أَنفُسِكُمْ فَٱحْذَرُوهُ ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)
– (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا )الأحزاب49
– (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن إن كن يؤمن بالله واليوم الآخر وبعولتهن أحق بردهن إن أرادوا )البقرة 228
– (واللائي يَئِسْنَ مِنَ المحيض مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارتبتم فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاَثَةُ أَشْهُرٍ) الطلاق4
ف..للعدّة أنواع تختلف بإختلاف حال المعتدة :
عدّة الحامل:
تنتهي عدّة الحامل بوضع الحمل ، أياً كان السبب طلاق أم موت .
عدّة المتوفّى عنها زوجها:
عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيام إن لم تكن حاملا.
عدّة المطلقة (ذات القرء):
عدّتها ثلاثة قروء، والقرء هو الحيض بعد الطهر.
إن كان سبب الفراق بين الزوجين الخلع أو الفسخ؛ فالعدّة تتمثّل بحيضة واحدة فقط.
عدّة الصغيرة أو الآيسة والمستحاضة من الحمل :
مدّة ثلاثة أشهر، حيث جعل كلّ شهر بحيضة.
والمطلقة قبل الدخول والخلوة ليس عليها عدّة.
فالعدّة لم تشرع إلا لحِكمٍ عظيمةٍ أرداها الله تعالى، امتثالا لأوامره والتزاما بها، فكانت العدّة للتأكد من براءة رحم المرأة من الحمل ؛ وحتى لا تختلط وتتداخل الأنساب بين الناس.
فلما كانت المدة أربعة أشهر وعشرة أيام ؟
لمن لا يعلم :
الحمل عادة يكون نطفة لأربعين يوما، وعلقة لأربعين يوما، ومضغة لأربعين يوما ،فالمدة أصبحت مائة وعشرون يوما لو قسمت على عدد أيام الشهر تصبح أربعة أشهر ، فمابين استقرار النطفة في الرحم إلى نفخ الروح في الجنين أربعة أشهر وجعلت العشر الليالي الزائدة للتحقق من تحرك الجنين .
فمشروعية عدة الوفاة كانت لحكمة تحقق النسب أو عدمه، أما ما يدعيه البعض بأنها للوفاء للزواج فلا مرجعية ولاحقيقة لهذا الإدعاء ، فموضوع الإحداد على الزوج كان في الجاهلية ،والشريعة لا تقر أوهام الجاهلية فتبقي منه تراثا سيئا.
إن الإسلام دين المساواة، والاحترام والمحبة ليستا بالأنوثة أو الذكورة فالكل سواسية أمام الله.
ويبطل ما جاء بزعم الحزن وفاءا للزوج ..أن عدة الحامل أن تضع حملها ، فلوكان الحزن فرضا حقا لاستوت فيه مع غير الحامل .
الزواج شرع محلل للطرفين، كان الصحابة يتسابقون لخطبة الصحابية التي انهت عدتها ،فمن نحن أمام صحابة رسول الله .
يقول إبن مسعود في كتاب (التحرير والتنوير): أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة!!.
وللعلم من حق المعتدّة تقرير مكان عدتها ، إن كان في بيتها أو بيت أهلها أو بيت إبنها ن لا نص يحدد مكان إقامتها سوى أن يكون ضمن محارمها .
الإحداد لم يكن في سكنى البيوت إنما الإحداد في الزينة والتربص كما جاء بمقولة (الشافعي)
أما ما يخص سوء الفهم و الخلط ؛ بين الآيات التي تأمر بالتربص توضحه الآية قال تعالى :
(وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ)
قال :يتربصن بأنفسهن .. ولم يقل يتربصن في بيوتهن ،
فالتربص يخص الزواج لا البيوت .
وللمعتدّة (المحدة ) أن تلبس في منزلها ما جرت عادتها بلبسه، إن الله يشرع الشرائع والأحكام لحكم عنده ، وليس لما يريده البشر بطبيعتهم وأحكامهم الظالمة ،والإصرار على فعل ذلك هو تعظم لمصيبة الموت التي كانت في الجاهلية ، وهذا كفر بأمر الله فالموت مرحلة من حياة الإنسان كما ولادته ، أتفرحون بالولادة وتكفرون بالموت فأي أمة أنتم .
أما إن كان للإنسان رجلا أو إمرأة ، أن يجد في الحزن على الميت نوعا من الراحة ، ليقضي بها وطرا من الحزن.. فكلنا نحتاج هذه الخلوة لكن الشرع حددها بثلاث .
أما الإحداد على الزوج فإنه تابع للعدّة ومن مقتضياتها ومكملاتها، وفيما يخص الإبتعاد عن الزينة ،فالزوجة تتزين لتتحبب إلى زوجها، فإذا مات وهي لم تصل إلى آخر،اقتضى الأمر تمام حق الأول وتأكيد المنع من الثاني قبل بلوغ الكتاب أجله، أن تمتنع عما تصنعه النساء لأزواجهن، و ذلك ليس للحرمان بل لسد الذرائع للمتصديين واتهامها بطمعها في الرجال وهي معتدّة ..فجاءت الآية (فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ).
فيحق للمراة أن تعود لحياتها العادية ، فقد أدت الأمانة لله والمجتمع تجاه براءة رحمها من أي حمل .
عدّة المرأة المتوفى عنها زوجها تبدأ من لحظة وفاة الزوج، وليس بعد اليوم الثالث من الوفاة.
شروط العدّة :
الاعتداد، الإحداد، لزوم البيت ، ثلاثة لا رابع لها .
الاعتداد: التربّص بالنفس بعدم الزواج مدّة أربعة أشهرٍ وعشرة أيّامٍ في حال عدم وجود الحمل، وإن كانت المعتدة حاملاً؛ عدّتها بوضع حملها.
الإحداد؛ ترك الزينة ومظاهرها، وترك الإغراء.
يجوز للمرأة المعتدّة الخروج من منزلها لقضاء حاجاتها وعاداتها ، وكذلك إن كانت من طالبات العلم أو صاحبة عمل فيحق لها الخروج ، ينفى عنها الخروج ليلاً؛ لأنّ الليل موضع اتّهام .
يجوز للرجال التعريض والتلميح لخطبتها، كما يجوز إخفاء الرغبة في خطبتها في نفس الرجل قال تعالى :
(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ ۚ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَٰكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا ۚ وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ۚ)
يمنع التصريح بالخطبة لها أو الالتقاء بها سراً؛ لأنّ ذلك ينشر الشائعات والفتن حولها.
هذه هي العدّة وفق شرع الله وحدوده