تعي المملكة العربية السعودية أن لا رفاه ولا تقدم ولا ازدهار إلا بانتشار الأمن في محيطها، واستشراء التنافس في النمو، ولذلك سعت جاهدة منذ الأزل لتوطيد علاقاتها بجيرانها، وكذلك دعمهم ومساندتهم على كافة الأصعدة، ولم تبخل في تقديم المعونة ولا المشورة، وكانت على الدوام السند والعون والعضيد والشريك الموثوق.
وأكد أكاديميون سعوديون مختصون بالشأن السياسي والاجتماعي أن المملكة دولة محورية مهمة تسعى لتحقيق الرفاه لشعوب المنطقة بعيدا عن النزاعات التي تعيق أهداف التنمية في المنطقة، مشددين لـ”الرياض” على أن توقيع الاتفاق بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية أدخل منطقة الشرق الأوسط لحقبة تاريخية جديدة تسهم في تعزيز الاستقرار المطلوب لمنطقة الخليج وإلى منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل عام، وبخاصة أن منطقة الخليج العربي تعد عصب الطاقة للاقتصاد العالمي التي يستوجب من خلالها استقرار المنطقة.
وقال د. عبدالله آل ربح أستاذ مشارك لعلم الاجتماع الديني بجامعة غراند فالي بمشغن، وباحث غير مقيم بمركز الشرق الأوسط بواشنطن: “المملكة وإيران قطبا المنطقة، ولا يمكن تصور الاستقرار في المنطقة بدون استقرار العلاقات بين ضفتي الخليج العربي. نستطيع القول إن هذا الاتفاق ينبئ بمرحلة تاريخية جديدة للدبلوماسية في الشرق الأوسط نحو السلام والاستقرار وحلحلة الملفات الإقليمية العالقة في مختلف دول المنطقة التي تتوزع ميول فرقائها بين القطبين”.
وأضاف “نستطيع القول إن كلا البلدين له مصالح في المنطقة، ويعلم صناع القرار في المملكة وإيران أنه لا يمكن لأحدهما إقصاء الآخر. لذلك تقرر على البلدين أن يختارا بين حل المشكلة أو المواجهة، إن حالة الانفتاح الاجتماعي والاقتصادي التي تعيشها المملكة تعطي مؤشرا واضحا على رغبتها في التركيز على الاستثمار في المواطن والبنية التحتية للبلاد بعيدًا عن النزاعات التي تعطل التنمية. بالمقابل، فإن الاضطرابات الأخيرة داخل إيران دقت جرس الإنذار من غضب شعبي يتعلق باستمرار التشدد الذي ترعاه الدولة والذي يتزامن مع سوء الحالة الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الدولية، إن التقارب السعودي الإيراني من شأنه أن يمنح طهران متنفسًا لحل مشكلاتها الداخلية والتي ليس من مصلحة عموم المنطقة أن تنفجر لصالح قوى اللادولة، وهنا تتجلى الحكمة السياسية عند صانع القرار في المملكة حيث قدّم المصلحة الاستراتيجية على الصراع الإقليمي”.
وذكر أن الفترة التي نعيشها حاليا تحتم على الدول المحورية في المنطقة أن تفكر في شؤونها الداخلية بوصفها الأولوية، وهذا ليس فقط على مستوى صناع القرار، بل إن مواطني كلا البلدين معنيون بحياتهم اليومية ورفاهية العيش أكثر من اهتمامهم بالصراع الإقليمي.
وتابع “التفاهم بين البلدين يتعدى مسألة العلاقات الثنائية إلى تسويات في مناطق النزاع الملتهبة منذ أكثر من عقد وعلى رأسها ملف الحرب في سورية، الفراغ السياسي في اليمن، وعدم الاستقرار السياسي في العراق ولبنان، إضافة إلى القضية الفلسطينية، فالأطراف المتنازعة في تلك الدول لديها قابلية لوساطة أحد القطبين دون الآخر، مما يعني أن البلدين قادران على خلق غرفة عمليات مشتركة لتسوية النزاعات في دول التوتر بما سيعود على عموم المنطقة بالسلام والاستقرار”.
وعن الاتفاق قال: “يأتي هذا الاتفاق في الوقت الذي تقلل الولايات المتحدة من استثمارها السياسي والعسكري في الشرق الأوسط، فالانسحاب من العراق ثم أفغانستان يأتي متزامنا مع سعي واشنطن لتنشيط المفاوضات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، وعليه، فإن دولة محورية بحجم المملكة لا يمكن أن تعول على الموقف الأميركي الذي يراعي مصالحه فقط، بالمختصر، المملكة تمارس حقها السيادي في تحجيم التهديد الإيراني دبلوماسيا، بغض النظر عن حليفها الاستراتيجي الذي يبحث عن مصلحته كأولوية دون مراعاة مصالح حلفائه في المنطقة”.
وأردف “فيما يتعلق بتقليص الولايات المتحدة استثمارها السياسي والعسكري في المنطقة، فإن الأمر يمتد إلى تقليصها الحرب على التطرف والإرهاب لصالح تركيز الجهود على تقويض نفوذ روسيا والصين في مناطق مختلفة من العالم. وعندما توقفت عن محاربة التطرف والإرهاب في المنطقة، فإن قطبي المنطقة قادران على محاصرة الجماعات المتطرفة وتجفيف منابع الإرهاب بما يكفل الأمن الإقليمي على طرفي الخليج العربي، وبقية العالم الإسلامي”.
بدوره، قال د. محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى سابقا: “الاتفاق السعودي الإيراني يعد الحدث الأكبر خلال هذه الفترة لأن في هذا الاتفاق انفراجه لما شهدته المنطقة من مآسٍ وقضايا صعبة على مدى 40 عاما فإيران كان لديها مشروع أقرب ما يكون للوهم والخيال ولكنه تحقق شيئا منه من خلال بسط نفوذها على مناطق وجدت لها فيها قواعد ترتكز عليها في نشر نفوذها مثل العراق وسورية ولبنان واليمن وطال أمد هذه المحاولة، بيد أنها محاولات أدت إلى الكثير من المآسي لهذه البلدان”.
وأضاف “المملكة كانت هدفا لمشروع ثورة إيران مثل قضية نشر مبادئ الثورة، ولكن ظلت المملكة صامدة ولم يتغير موقفها”.
وعن الموقف الحالي ومضي الزمن قال: “حينما وصل كلا الطرفين خاصة الطرف الإيراني الذي وجد نفسه في مأزق أمام ثورة شعبه وأمام الحصار من كثير من الدول وأمام تحديات كبرى أهمها انهيار الاقتصاد الإيراني وجد أن هناك مخرجا لما هو فيه من مأزق من خلال مد اليد والتفاهم والاتفاق مع المملكة من خلال وسيط يبدو أنه أكثر ثقة لدى الطرفين -الصين التي لها مصلحة مع كلا الطرفين إضافة لدول الخليج العربي-، والصين بطبيعتها ليست توسعية وليس لديها تطلعات استعمارية بل لها علاقات اقتصادية قوية وتريد أن تخدم هذا التوجه الاقتصادي والمنطقة العربية بما فيها إيران المهمة جدا للاقتصاد الصيني ولذلك من الواضح أن المملكة وإيران وضعا ثقتهما في الصين التي أصبحت لاعبا كبيرا وجديدا على المستوى السياسي في المصالحة التي حدثت بين الرياض وطهران، في وقت لم يتصور أحد أن المحادثات تتم بهذه السرية وتتم بهذه الموضوعية في طرح القضايا”. مضيفا “حاليا نحن أمام امتحان مصداقية ما تم الاتفاق عليه من قبل إيران خاصة أما المملكة فمصداقيتها واضحة، فهي تعمل بحسن نية بما تراه في مصلحة هذه المنطقة وتعويضها عن 40 عاما من المآسي، والآن التفاؤل في ازدياد حيث إن هناك نيات إيجابية من الطرفين منها مهاتفة وزير خارجية المملكة نظيره الإيراني يهنئه بمناسب حلول شهر رمضان المبارك وسيتفقون على موعد اللقاء المرتقب بينهما وبحث كثير من القضايا”.
وتابع “هذا الانفراج فيما يتعلق بقضايا المنطقة نعتقد أنها فعلا مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة وما سيعود عليها من نتائج تحمل أعمال جميلة منها الاستقرار والنمو وسعادة الشعوب والبعد عن الحروب والتنازع وتوظيف الأموال التي كانت تنفق على التسلح لصالح البناء والانسان في المنطقة وهذا هو الهدف الذي تأمله المملكة، لأنها ذات أهمية اقتصادية كبرى في العالم، وهكذا كانت المملكة رائدة كما هي دائما رائدة في العمل لمصلحة الأمتين العربية والإسلامية من خلال التركيز على الاستقرار والإنماء والتعمير وإسعاد الإنسان، وهذا ما نجده من نتائج الاتفاق السعودي الإيراني”.