كتب إبراهيم موسى النحَّاس
قراءة نقدية في مجموعة ((وصية)) لفيفي سعيد محمود
نوع أدبي جديد في كتابة فن القصة القصيرة اختلف عليه النقاد والأدباء والجمهور أيضًا وهو القصة القصيرة جدا أو ما اصطلح على تسميته بفن (الومضة)، فقد وقف الجميع بين مؤيد ومعارض، المعارض يرى فيها جانبا من الاستسهال وفقْد القصة القصيرة لخصوصيتها النوعية المتعلقة بوجود الحدث المتدرج والصراع والشخصيات، والمؤيد يرى فيها قمة التكثيف الدلالي باعتبار أن التكثيف الدلالي من أسس بناء القصة القصيرة، وكي يصل التكثيف لدرجة جَعْل القصة تتكون من سطر واحد أحيانا فهذا معناه أن هذا الشكل صعب وليس استسهالا كما يدعي البعض، كما يرون أن للمبدع الحرية المطلقة في التجريب.
والقاصة فيفي سعيد محمود في مجموعتها القصصية الجديدة (وصية) تنحاز لفن الومضة أو القصة القصيرة جدا، وقد جاءت الومضات كلها بدون عناوين بحيث تأخذ كل ومضة صفحة مستقلة حتى لو كانت الومضة تتكون من جملة واحدة أو سطر واحد، ليصبح الكتاب وكأنه عمل واحد يتكون من عدد من المقاطع أو الومضات.
وجاء العنوان (وصية) عبارة عن وصيتها لحبيبها المفقود بعد موتها أن يذكر أن هناك إنسانة تحبه لينسجم العنوان مع موضوع الومضات فعلى مستوى الموضوع نجد الومضات كلها تدور حول عواطف ومشاعر المرأة في إطار رومانسي حالم مشوب بالواقعية ومعاناة المرأة في واقعها المُعاش، لتحمل المجموعة بُعدًا تجريديًّا يتجه نحو التعميم بحيث تُعبِّر المجموعة عن معاناة كل امرأة معاصرة.
تُعبِّر المجموعة عن مشاعر وطموحات وآمال المرأة في الحُب بل ومعاناتها أحيانا مثل قولها في تلك الومضة: ((أيها الحُب تزرع الأشواك بوسادتى ليلًا وتحصدها فى الصباح عناقيدَ من الألم)).
هذا الألم الذي يجعل الذات القصصية تتوجه بحديثا إلى الآخر بنظرة اعتزاز بالنفس والاستعلاء في مواجهة سلبياته حين تقول: ((ممنوع أنت من السفر فى شرايينى)) متسائلة عن مستقبله إذا اكتشف أن كنوزه كلها ليست موجودة سوى في مكان واحد حين تقول: ((ماذا لو فتشت عن كنوزك الضائعة ووجدتها بقلبى أنا؟)). وهكذا تستمر ومضات الكتاب كلها على مستوى الرؤية في هذا الإطار النسوي الذي يجمع بين الرومانسي الحالم وما هو واقعي في حياة المرأة المعاصرة.
وعلى المستوى الفني حملت المجموعة كل السمات الفنية للومضة أو القصة القصيرة جدا فنجد التركيز اللغوي الشديد والتكثيف الدلالي الذي يختزن أكبر كم من المعاني والمشاعر الإنسانية في أقل كلمات بل تصل لحد التعبير عن حياة كاملة كقولها: ((حتما سآتى فى أحلامك لأسطو على أحلام باتت لغيرى)).
وفي خطوة تتسم بالجرأة الفنية جاءت بعض الومضات باللهجة العامية المصرية – بتعمُّد وقصدية فنية من الكاتبة – لتؤكد مدى حرية الكاتب في اختيار معجمه القصصي.
كما جمعت ومضاتها بين توظيف الرمز وتوظيف المفارقة كقولها: ((لم أتعلم فى حياتى سوى رسم فراشة فقد ت قدرتها على الطيران ووردة ذابلة)).
ولنقرأ المجموعة معًا لنكتشف المزيد.