منصة المشاهير العرب مرخصة من الهيئة العامة للاعلام المرئي والمسموع السعودي , ترخيص 147624
واحة الإبداع

من دفتر الكلب الرمادي

23/ نوفمبر /2020
avatar admin
194
0

 

شعر : محمد الجبوري – سوريا

 

هنا ..

حيث الموتُ أجملُ الأماني، والقبرُ ترفٌ

أهربُ مع كلابِ المدينةِ؛ حينَ يطلقونَ الرّصاص ..

وأعودُ عندَ المساء كلباً محايداً؛ ألعقُ الدّماءَ عن الجدرانِ والأرصفة !

*****

أنا محمّد الجُبوريّ؛

أعيشُ في هذه الخيمةِ منذ فجر الطّائرات

منذ فرّقوا أصابعي بخناجرهم، فتسرّبت من بينها البلاد قطرةً قطرة

منذ فخّخوا نهد دمشق الوحيد بصواريخ “سكود”

منذ نزعوا عن أمّي ثوب “الكودري” وألبسوها العتمةَ

كي يرضى عنها الله!

**

أنا محمّد الجبوريّ؛

بلا أصابعَ

أجمعُ فتاتي كلَّ صباح لأصمد أمام أربعٍ وعشرين هزيمةٍ قادمة

أقفُ مئات المرّات أمام عدسات المنظّمات الإغاثيّة، وأبتسم

أتلقّى الشّتائم والرّكلات في طابورِ الهلالِ الأحمر، وأبتسم

أموتُ ثمّ أحيا ثمّ أموتُ وأحيا

ثمّ أموتُ

وأموتُ

وأموتُ وأموتُ

وأبتسم ..

وبما يتبقّى منّي آخرَ النّهار

أسخرُ من وجودي هنا؛

كيفَ لم تبتلعْني أنقاضُ مخيّم اليرموك؟

كيفَ لم تحرقْني القنابلُ العنقوديّة في الرّقّة؟

يا الله

كم جميلاً لو كنت الآن رماداً يطفو على وجه الفرات!.

**

قبل النّوم أحكي لابنتي خرافةَ الوطنِ والبيوت الدّافئة

فتغضبُ بطاقةُ اللّجوء

تجمعُ كلَّ صقيعِ العالمِ وتلقيهِ في خيمتنا.

**

أتجاهلُ بكاملِ العقوق

نداءات أبي العجوز من الخيمةِ المجاورة

فأنا أحفظُ عن ظهرِ حزنٍ ما سوف يطلبه منّي:

“أخبرْ أخاك الصّغير أننّي صفحت عنهُ، فليخرجْ من قبرهِ قبل أن يختنق “.

**

بلا وجهٍ, ولا أصابع

لا أكتب الشّعر

ولا أحفظُ سوى قصيدةٍ واحدةٍ عن الحرب

أقرؤها فيصبحُ فمي سبطانة بندقيّة

وأسناني مشطَ رصاص

وعيناي قنبلتين

وتمتلئُ ندباتُ وجهي بالجثث.

**

أنا محمّد الجبوريّ؛

لا أحلمُ أن تنتهي الحربُ,

ولا أن تموتَ السّكاكين!

أحلمُ فقط أن يتوقفوا عن سرقةِ أكياس “الشطّي مطّي” من كراتينِ المساعدات الإنسانيّة.

عن الكاتب : admin
عدد المقالات : 11257

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.