الجزء الثالث.. قصة رعب قصيرة “عجوز قريتنا”…للروائى أشرف الجاويش
غرفة كئيبة، تبدو أوسع بكثير مما تبدو، سرير قديم ودولاب به بعض زجاجات الخمر. أربع صور بيضاء معلقة على الحائط.
ورقة ملفوفة مربوطة بشريط أسود، أفك وثاقها حتى أقرأها، أصوات فئران، أقفز متفاجئا، من أين تخرج؟! أعداد كبيرة،
هناك حفرة ما تحت هذه المنضدة المغلقة الجوانب، أسحبها بعيدا، ثقيلة كما توقعت، إنه نفق، بعض السلالم، أضع
الورقة على المنضدة وأنزل في حذر، الهواء ثقيل بالأسفل، أتنفس بصعوبة، تفر الفئران هاربة على ضوء مصباحي،
توابيت كثيرة بالمكان، أتقدم من أحدها، أرفع الغطاء، هيكل عظمى في ثياب بالية، ورقة بفمه، أفتحها متوجسا “ليلى
محى الدين، أحببتها، قتلتها 2025/3/25″ أصبحت كالمجنون، أعرف ليلى جيدا، فتحت كل التوابيت في عجل مرتبكا
أجمع الأوراق قبل أن يأتي هذا السفاح، صعدت مسرعا، وضعت كل شيء في مكانه، أخذت الورقة الملفوفة، ألوذ
بالفرار، تسقط إحدى الصور المعلقة على الجدران، يرتجف قلبي فزعا، يجب أن أعيدها إلى مكانها. ما هذا؟! الصور
معلقة بشكل معكوس، صورة أبى، ألتقط الصور الأخرى، صورة أمي، ًصورة أخي يحيي، وهذه الصورة، يا إلهى..
إنه الرجل الذى رأيته منذ سنوات، لا أصدق! ماذا أفعل؟ خرجت غير مكترث بما قد يحدث، لابد أن أسأل أبى عن هذا الأمر
الغامض.
ينظر إلى ونحن نتناول الطعام، يريد إخباري بشيء، أبى يحبني لا شك، أيام وأبلغ العشرين وليس هناك بيت أسفل
الشجرة. ما زالت ليلى تنعم بالحياة، يريد أن يخبرني بشيء “يا موسى، لقد اشتريت قطعة الأرض التي تحب الجلوس
تحت شجرتها، ستسعد بهذا الخبر، قررت شراءها حين وجدناك أسفل الشجرة غائبا عن الوعى منذ عامين، و سوف
أبنى لك بها غرفة حتى تكون بمفردك كما تحب” ابتسمت فرحا بينما كان قلبي حزينا منكسرا، اندهشت والدتي من قرار
أبى، يبدو أنه لم يبلغها بالأمر من قبل، ولا حتى أخي يحيي، تعجبت لأمر والدى، متى يا أبى ستأمر ببناء الغرفة تحت
الشجرة! ومتى تبدأ صنع التوابيت وقتل كل هؤلاء! وما مصير أمي وأخي؟! بل ما مصيري أنا؟! ولم لم تكن صورتي معلقة
بالغرفة مثلكم! وما شأن الغريب؟! ولم تقتل ليلى محى الدين ومتى؟!
وكيف أموت أنا وأخي يحيي؟!
رأيتك تبكى أمام قبرنا، يا الله، اللهم الطف بنا. مرت الشهور والسنوات، لم يأمر والدى ببناء الغرفة بل أخبرني أنه سوف
يزوجني من ابنة أخيه “راضية” كما سيزوج أخي يحيي من فتاة أظهر يحيي رغبته في الارتباط بها. كنت أتساءل هل
يوافق أبى إن أظهرت رغبتي بالزواج من “ليلى محى الدين؟” لا أدرى فقد كان بين أبى وأبيها كثير من الخلافات.
قل ذهابي إلى الشجرة بعد زواجي من راضية وخاصة بعد أن أنجبت لي “ياسين وعمر”. أحببتهما وقضيت الكثير من
وقتي بينهما. زادت الخلافات بين أبى ومحى الدين البربري. وهنا أمر أبى ببناء الغرفة. أدركت أن النهاية وشيكة. مكثت
بها فترة أتأمل ما يمكن أن يحدث، هنا سوف يبنى أبى نفقا. ليتنى قرأت الأوراق وعرفت أسماء القتلى.
أرهقني التفكير فأغمضت عيناي لبرهة، سمعت وقع أقدامه ففزعت واقفا. يدور في أرجاء الغرفة يتأملها، إنه الرجل ذو العين المخيفة
“كيف دخلت إلى هنا؟!” يقترب “لقد أخبرتك، تجمع بيننا أشياء، ولا تخيفك عيني وتشوه وجهى فقد ارتديت هذه القبعة
من أجلك حتى لا ينفر الناس منك” مندهشا “ولم ينفر الناس منى؟!” يستدير، خطوات بطيئة، يلتفت إلى فجأة “يجب أن
تسرع الأن، وإلا سيموت ياسين وعمر، أسرع يا موسى، منزلك يحترق”.
النيران بشعة مخيفة، صراخ ، الدخان يخنق الجميع، لا أحد يجرؤ على الدخول إلا أنا، اقتحمت المنزل، النار أكلت كل
شيء، أبى وأمي وصاحبتي وأخي وصاحبته، أنقذت ياسين وعمر، احترق البيت ووجهي وفقئت عيني اليمنى. ذهبت
ومن معي لنعيش بعزلة بأطراف القرية أسفل الشجرة. كان الحريق مدبرا. قام به محى الدين البربري وأفراد أسرته.
لم تنج إلا بعض صور لأبى وأمي وأخي وهذا البالطو الذى أرتديه الأن.
كان لهم شأن عظيم عندي. كنت أحتفظ بهم في خزينة حديدية ولحسن الحظ لم تمسسها النيران. لم يصنع أبى التوابيت، لم يكن أبى من قتل ليلى وأهلها، لم تكن
صورة الغريب سوى صورة لي بعد الحريق، ولم تكن زجاجات الخمر بالدولاب إلا زجاجات دماء محى الدين وعائلته بعد
قتلهم ياسين وعمر.