متابعة : طارق فتحى السعدنى
تحتفل ألمانيا خلال الأيام المقبلة من شهر نوفمبر الجارى بمولد الشاعر الكبير فريدريش شيلر الذى رحل رحل عن عالمنا فى التاسع من مايو 1805عام فى مدينة فايمار وكان عمره يناهو الـ 45 عاماً، بعد صراع طويل مع مرض السل.
فإن شيلر هو الشاعر الفقير الثائر على البلاط والأمراء الذي يمثل القطب الآخر من الأدب الألماني و معظم أعمال شيلر تتمحور حول فكرة الحرية والخلاص من الطغيان , بينما عاش شيلر معدماً، ومات مريضا بالسل الرئوي ولما يتجاوز السادسة والأربعين ,
التحق شيلر فى طفولته وصباه بمدرسة القرية فى لورش، ثم بالمدرسة اللاتينية، وبعد أن أنهى دراسته فيهما أراد أن يدرس اللاهوت، ولكن آماله فشلت بسبب دوق مدينة لودفيجسبورج “تشارلز يوجين” الذى فرض على شيلر الدخول إلى الأكاديمية العسكرية , واختار فى البداية أن يدرس القانون، ولكنه تحول فى عام 1775 إلى دراسة الطب ,
دعا الشاعر الشباب في أعماله المسرحية إلى الثورة. أو كما يقول زافرانتسكي: “كان شيلر على قناعة بأن الطبيعة دللت غوته وحبته كل شيء. أما هو فقد تحتم عليه الكفاح” ,
وكان الكفاح هو الموضوع الأساسي في عديد من مسرحيات شيلر، لا سيما “قطاع الطرق”، التي كانت ترجمة أدبية لمشاعره الكارهة للطغيان ,
ولا شك أن النبرة الثورية غير المألوفة آنذاك في المسرحية جلبت لها نجاحا أسطوريا، وما زالت حتى اليوم من أكثر مسرحياته تمثيلاً,
بعد عامين ظهرت مسرحية شيلر الثانية “دسيسة وحب”، وقد استلهمها الشاعر من خبرات شبابه مواصلا فيها صب جام غضبه على النظام الإقطاعي. ثم تناول شيلر فكرة الحرية والثورة في عدة مسرحيات، مثل “دون كارلوس”، و”ماريا ستيوارت”، و”ثلاثية فالنشتاين”. وتعتبر مسرحيته “فيلهلم تل” – المعروفة في العالم العربي باسم “وليم تل” من أهم أعماله المسرحية “فيلهلم تل” التى سؤالا عن إمكانية حصول الفرد على حريته وحده بدون معونة من الجماعة،
على الرغم أن المترجمين العرب اهتموا بغوته اهتماما كبيرا وترجموا له وكتبوا الدراسات عنه، فإنهم أهملوا القطب الآخر للأدب الكلاسيكي الألماني. بقي شيلر في الظل، ولم تترجم له سوى أعمال قليلة في فترة الخمسينات والستينات، وهي أعمال لن يجدها أحد اليوم معروضة في مكتبات البيع، فأحدثها يرجع إلى مطلع الثمانينات ,
صدرت أول الترجمات العربية لشيلر عام 1900، وكانت لمسرحية “دسيسة وحب” والتي صدرت بعد ذلك في عدة ترجمات، كان آخرها عن الألمانية من إنجاز عبد الرحمن بدوي. وفي عام 1903 ترجمت أشهر مسرحيات شيلر “فيلهلم تل”، ثم أعيدت ترجمتها مرات عدة عن لغات وسيطة (غالبا بعنوان: “وليم تل”، وهناك ترجمة صدرت في دمشق بعنوان “غليوم تل”)، إلى أن أعاد عبد الرحمن بدوي في مطلع الثمانينات ترجمتها ,
أما مسرحية “قطاع الطرق” (والتي ترجمت أيضا بعنوان “اللصوص”) فقد ترجمت مرتين عن لغات وسيطة، قبل أن ينقلها بدوي عن الألمانية مباشرة. كما صدرت عام 1959 في بغداد ترجمة قام بها هاشم المعلوف وتضمنت مسرحيات “اللصوص ، ومؤامرة وغرام، وفيلهلم تل، وفالنشتاين، ودون كارلوس” ,
غير أن هذه الأعمال لن يجدها القارئ في أي مكتبة عربية اليوم. كما أن مسرحيات شيلر لم تحدث صدى كبيرا على خشبات المسارح العربية (على خلاف مسرحيات شكسبير، أو مسرحيات برتولد بريشت مثلا). فإلى أي شيء يرجع ذلك؟ هل تمثل اللغة الشعرية الجميلة التي كتب بها شيلر مسرحياته عائقا أمام ترجمتها (ترجمة لائقة) إلى العربية؟
أم أن موضوعات شيلر التاريخية تتطلب معرفة جيدة بخلفيات يجهلها المشاهد العربي، وبالتالي يجعلها غير صالحة للعرض؟ من يعرف مثلاً وقائع حرب الثلاثين عاماً الدينية في ألمانيا، وهي التي تكوّن الخلفية السياسية لثلاثية “فالنشتاين”؟ كل هذه أسئلة مطروحة عندما نتساءل عن محدودية التفات المترجمين والمسرحيين العرب إلى الشاعر الثائر شيلر. وهناك أسئلة أخرى لا بد أن تُطرح فيما يتعلق بما تُرجم حتى الآن إلى العربية: هل يصلح أسلوب عبد الرحمن بدوي مثلاً للعرض المسرحي؟ هل تلاءم اختياراته اللغوية مقتضيات التمثيل والإلقاء؟ هل تجذب هذه الترجمات القراء، ناهيك عن المشاهدين؟
ورغم تباين ظروف حياة فريدريش شيلر فقد لحن بيتهوفن إحدى قصائد شيلر، فى سيمفونيته الناقصة، بعنوان “إلى السعادة”، وفيها يمجد شيلر الرغبة الإنسانية الجارفة نحو السعادة، رغم الآلام التى تكبل روح الإنسان