شيخ المجاهدين وأسد الصحراء:
“عمر المختار” الشيخ المسّن الذي هزّ عرش روما وخلّد اسمه فى التاريخ
استطاع ذلك الشيخ المسن الذى تجاوز عمره السبعين عاما ؛ أن يحرج بل ويلحق الهزيمة هو وأصدقائه المجاهدين بأقوى قوات العالم في ذلك الوقت القوات الإيطالية التي كانت تحتل ليبيا بعد انسحاب المستعمر التركي منها وتركها للطليان …
فلما ذاع صيت الشيخ عمر المختار؛ وهزت سيرت حكومة روما ؛ مما اضطرها لإقالة الحاكم العسكري الإيطالي في ليبيا وتعيين الجنرال گرسياني محله ؛ وهو معروف بأنه أكثر دموية وقام بالفعل بارتكاب إبادات كبيرة ومجازر وحشية بحق الليبيين ؛ بغية ملاحقة المختار بكل السبل حربا ؛ أو حتى عن طريق الخداع ومحاولة جر المختار لعملية مفاوضات سلام شكلية لكسب الوقت وامكانية القبض عليه…
وينتسب عمر المختار إلى قبيلة المنفه إحدى كبريات قبائل المرابطين ببرقة؛ ولد عام 1862م في قرية جنزور بمنطقة دفنة في الجهات الشرقية من برقة التي تقع شرقي ليبيا على الحدود المصرية…
تلقى عمر المختار تعليمه الأول في زاوية جنزور، ثم سافر إلى الجغبوب ليمكث فيها ثمانية أعوام للدراسة والتحصيل على كبار علماء ومشايخ السنوسية في مقدمتهم الإمام السيد المهدي السنوسي قطب الحركة السنوسية، فدرس اللغة العربية والعلوم الشرعية وحفظ القرآن الكريم عن ظهر قلب..
عندما علم ” المختار” بالغزو الإيطالي لليبيا ؛ سارع إلى مراكز تجمع المجاهدين حيث ساهم في تأسيس وتنظيم حركة الجهاد والمقاومة , وقد شهدت الفترة التي أعقبت انسحاب الأتراك من ليبيا سنة 1912م أعظم المعارك في تاريخ الجهاد الليبي ؛ منها على سبيل المثال معركة يوم الجمعة عند درنة في 16 مايو 1913م حيث قتل فيها للأيطاليين عشرة ضباط وستين جنديا وأربعمائة فرد بين جريح ومفقود إلى جانب انسحاب الإيطاليين بلا نظام تاركين أسلحتهم ومؤنهم وذخائرهم، ومعركة بو شمال عن عين ماره في 6 أكتوبر 1913, وعشرات المعارك الأخرى…
وتوالت الانتصارات للمجاهدين ، الأمر الذي دفع إيطاليا إلى إعادة النظر في خططها وإجراء تغييرات واسعة، فأمر موسوليني بتغيير القيادة العسكرية ؛ حيث عين بادوليو حاكماً عسكريا على ليبيا في يناير 1929م, ويعد هذا التغيير بداية المرحلة الحاسمة بين الطليان والمجاهدين…
محمد عمر المختار
تظاهر الحاكم الجديد لليبيا في رغبته للسلام لإيجاد الوقت اللازم لتنفيذ خططه وتغيير أسلوب القتال لدى جنوده، وطلب مفاوضة عمر المختار، تلك المفاوضات التي بدأت في 20 أبريل 1929م…
واستجاب الشيخ لنداء السلام وحاول التفاهم معهم على صيغة ليخرجوا من دوامة الدمار. فذهب كبيرهم للقاء عمر المختار ورفاقه القادة في 19 يونيو 1929م في سيدي ارحومه. ورأس الوفد الإيطالي بادول نفسه، الرجل الثاني بعد بنيتو موسليني، ونائبه سيشليانو، ولكن لم يكن الغرض هوالتفاوض، ولكن المماطلة وشراء الوقت لتلتقط قواتهم أنفاسها، وقصد الغزاة الغدر به والدس عليه وتأليب أنصاره والأهالي وفتنة الملتفين حوله…
وفي 11 سبتمبر من عام 1931م، وبينما كان الشيخ عمر المختار يستطلع منطقة سلنطة في كوكبة من فرسانه، عرفت الحاميات الإيطالية بمكانه فأرسلت قوات لحصاره ولحقها تعزيزات، واشتبك الفريقان في وادي بوطاقة ورجحت الكفة للعدو فأمر عمر المختار بفك الطوق والتفرق، ولكن قُتلت فرسه تحته وسقطت على يده مما شل حركته نهائياً , فلم يتمكن من تخليص نفسه ولم يستطع تناول بندقيته ليدافع عن نفسه…
وصل گرسياني إلى بنغازي يوم 14 سبتمبر ، وأعلن عن انعقاد “المحكمة الخاصة” يوم 15 سبتمبر 1931م, وفي صبيحة ذلك اليوم وقبل المحاكمة رغب غرسياني في الحديث مع عمر المختار…
ويقول فى مذكراته عن المختار : ” عندما حضر أمام مكتبي تهيأ لي أن أرى فيه شخصية آلاف المرابطين الذين التقيت بهم أثناء قيامي بالحروب الصحراوية , يداه مكبلتان بالسلاسل, رغم الكسور والجروح التي أصيب بها أثناء المعركة, وبالإجمال يخيل لي أن الذي يقف أمامي رجل ليس كالرجال له منظره وهيبته رغم أنه يشعر بمرارة الأسر” ..
ورغم هذا فقد كانت شفتاي ترتعشان ولم أستطع أن أنطق بحرف واحد, فانهيت المقابلة وأمرت بإرجاعه إلى السجن لتقديمه إلى المحاكمة في المساء…
عقدت للشيخ الشهيد محكمة هزلية صورية في مركز إدارة الحزب الفاشستي ببنغازي مساء يوم الثلاثاء عند الساعة الخامسة والربع في 15 سبتمبر 1931م، وبعد ساعة تحديداً صدر منطوق الحكم بالإعدام شنقاً حتى الموت….