متابعة : طارق فتحى السعدنى
يعد أبو عبدالله محمد بن محمد بن عبدالله بن إدريس الحمودي الحسني المعروف بإسم الشريف الإدريسي واحداً من الأعمدة الأساسية التي استندت إليها النهضة الأوروبية. عاش في صقلية أربعون عاما، كان مقرباً من الملك روجر الثاني، الذي توفي عام 1154 ميلادياً، مات الإدريسي بعدها بـإحدى عشرعاماً. واختلفت الرواية حول مكان وفاته، هل ظل في جزيرة صقلية أم عاد إلى مسقط رأسه في سبتة؟ لكن بالتأكيد لا خلاف على أهميته.
ولد ، في سبتة بالمغرب عام 493 هـجريا 1100ميلاديا . وتوفي عام 561هـجريا 1166ميلاديا. ينتسب للأسرة الإدريسية العلوية، ولذلك لقب بالشريف الإدريسي لأنه أمضي سنوات طويلة من حياته في صقلية، كما لقب أيضاً بسطرابون العرب تشبيهاً بالجغرافي الإغريقي سطرابون.
بدأ الشريف الإدريسي تعليمه في سبتة وفاس، ثم انتقل إلي قرطبة وأمضى فيها عدة سنوات.. أتقن الجغرافيا والفلك والحساب والهندسة، كما درس الطب والصيدلة والنبات.
ودرس الإدريسي كذلك مؤلفات كبار الجغرافيين مثل بطليموس وابن حوقل وغيرهم، فأحاط إحاطة شاملة بانجازات من سبقه من الجغرافيين.
قام الشريف الإدريسي بعدد من الرحلات في بلاد حوض البحر المتوسط، زودته هذه الرحلات بالكثير من المعلومات لم يحصل عليها من اكتفوا باكتساب معارفهم من الكتب والموسوعات.
زار مصر والشام والقسطنطينية، ومكث بقرطبة لفترة، وتنقل بين أقاليم الأندلس والشمال الإسباني والبرتغال والشاطئ الفرنسي وجنوب إنجلترا.
وأخيراً زار صقلية عندما دعاه ملكها روجر الثاني، وحل عليه ضيفاً في بلاد العاصمة باليرمو، ومكث في صقلية قرابة عشرين عاماً.
بعد سقوط الدولة الإسلامية، اختار الإدريسي جزيرة صقلية للعيش فيها، كان ملك صقلية روجر الثاني معروفاً بحبه للعلم والمعرفة، وهو ما جعله يشمل الإدريسي برعايته.
قسم النصف الشمالي للكرة الأرضية إلي سبع مناطق مناخية متباينة. ثم قسم كلاً منها إلي 10 قطاعات متساوية في عدد خطوط الطول بها، ورسم لكل قطاع من هذه القطاعات السبعين خريطة مستقلة بحيث كوَّنت الخرائط السبعون في مجموعها خريطة شاملة للعالم عُرفت بخريطة الإدريسي، وهي أدق ما وصل إليه علم الجغرافيا وفن رسم الخرائط في ذلك العصر.
صنع الإدريسي لروجر الثاني كرة من الفضة رسم على سطحها خريطة العالم لتصبح نموذجاً للكرة الأرضية، وبلغ قُطرُها مترين ووزنها يقدر بوزن رجلين.
وللأسف فُقِدَت الكرة في عصر الجهل والتعصب التي سادت بعد عصر النورمان الأولين.
كما وضع الإدريسي حداً للعديد من خرائط العالم المتوافرة خلال العصور الوسطى كانت لا تتسم بالعملية أو العلمية، فضلاً عن كونها اكتسبت الطابع الخيالي، فقد عرضت آنذاك العديد من الخرائط الأوروبية، كلا من أوروبا، وآسيا، وإفريقيا بحجم ومساحة واحدة، كما وضعت مدينة القدس الشريف في قلبها، هذا وقد انطوت تلك الخرائط على مخلوقات أسطورية تعيش في مناطق غير محددة. وتم ذلك من خلال العمل الفذ الذي أنجزه في صقلية.
يُعتبر أعظم أعماله “كتاب روجار” أو” الكتاب الروجاري” نسبة إلي الملك روجر الثاني الذي ألف الإدريسي كتابه في كنفه وأهداه إليه.
حين استقر به المقام في جزيرة صقلية، بعث إليه الملك روجر الثاني يقول له: “إني أرغب بأن يكون لديّ كتاب في صفة الأرض، وأن يكون هذا الكتاب مؤلف عن مشاهدة مباشرة لا مُستخرج من الكتب، وإني لم أجد أفضل منك ليقوم بهذه المهمة”.
كما أصدر الإدريسي عدة كتب شهيرة أخرى، مثل: كتاب “صفة بلاد المغرب”: عن جغرافية وأحوال بلاد المغرب. منها كتاب “روضة الأنس ونزهة النفس”: وبقى منه مختصره المعروف بـ “الإدريسي الصغير”.
بالإضافة لمؤلفاته الجغرافية، قدم الإدريسي عدداً من المؤلفات في مجالات مختلفة ومن بينها: كتاب “الأدوية المفرجة” في مجال الطب، والذي صنف فيه أسماء بعض العقاقير باثنتي عشر لغة. وفي علم النبات كتاب” الجامع لأشتات النبات”.