علم القيافة على نوعين: قيافة البشر..وقيافة الأثر… أما قيافة البشر.. فهي الاستدلال بهيئات أعضاء الإنسان عما يريد كشفه، فكان الواحد منهم يستطيع أن يُلحق المولود بأمه ولو كانت مع عشرين امرأة.
حتى إن قبيلة في العرب تسمى بني مدلج معروفة بالقفاية ـ يعرفون الأقدام والأرجل ـ وكانوا يطوفون بالبيت ويرون أقدام إبراهيم عليه السلام في المقام , وذات يوم عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم صغير في حجر جده عبدالمطلب خرج يلعب رآه أحدهم فحمله إلى جده وقال له : من هذا منك , قال هذا ابني , فقال : حافظ عليه فإنه أقرب شبهاً إلى قدمي من في المقام , يقصدون إبراهيم عليه و قد كان أسامة بن زيد ، اسود كالليل ،افطس الأنف ،حلوا حسنا كبيرا فصيحا و كان ابوه زيد بن حارثة كذلك الا انه كان ابيض اللون شديد البياض وطعن بعض من لا يعلم في نسبه منه، ولما دخل مُجزز المُدلجي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أسامة وزيداً نائمين وعليهما قطيفة قدغطيا رؤوسهما وبدت أقدامهما، فقال: إن هذه الأقدام بعضُها من بعض
تقول عائشة: فدخل عليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم مسروراً تَبْرُقُ أسارير وجهه، فقال: ألم ترى أن مجززاً أبصر آنفاً إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال: إن بعض هذه الأقدام لَمِن بعض؟ سُرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأعجبه أنْ يُشْبِهَ أسامةُ اباه زيداً، واعتبر شهادة خبير مثل مجزز المدلجي تجعلهم يكفون عن الطعن في نسبه الى أبيه لاختلاف لونيهما.
وممن عرف بها في الجاهلية والإسلام الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه .ذكر ابن حجر أن عمر كان قائفا وقد روي أن قوما وفدوا على عمر زاعمين أنهم من قريش وأنهم جاؤه ليثبتهم فيها
فقال عمر : اخرجوا بنا إلى البقيع ، فنظر في أكفهم ، فقال : ليست بأكف قريش ولا شمائلها.
وأما قيافة الأثر)).. فهي الاستدلال بآثار الأقدام والخفاف والحوافر. وقد ذكر في هذا المجال ما يعد من المستحيلات، قالوا: إنهم كانوا يميزون قدم الرجل والمرأة والبكر والثيب والشيخ والشاب والأعمى والبصير…
ولقد تفرد العرب قديما والبدو حديثا بهذا العلم دون غيرهم من الأمم ولهم في ذلك مهارة عجيبة
لا يكاد يجاريهم فيها أحد معتمدين على الفطنة، ودقة الملاحظة والذكاء الفطري يعتبر قص الأثر من أهم الأساليب التي تؤدي إلى اكتشاف الكثير من الحوادث الغامضة في البيئة الصحراويه ومن الأسباب التي زادت في أهمية قص الأثر ما يلي: –
التخوف من الأثر الغريب: إن العربي حذر دائم الانتباه لما يدور حوله، وهو يهتم بملاحظة الآثار الجديدة فوق أرض الصحراء، يدفعه ذلك الخوف من الخطر على نفسه او على أفراد عشيرته أو الخوف على مواشيه… – دفع الأخطار: كذلك يقوم اعرب قديما والبدو حديثا بتتبع آثار الحيوانات المختلفة المفترسة كالضياع والذئاب من أجل القضاء لأنها تشكل خطرا على البدو ومواشيهم . – هواية الصيد: إن عربي في الصحراء صياد بالفطرة منذ أقدم العصور، وهو يفاخر أبناء عشيرته بمهاراته في هذا الفن، ومن أجل ذلك يدقق في ملاحظة آثار حيوانات الصيد كالغزلان والوعول والأرانب وغيرها، ثم يقوم بتتبع آثارها لحصر المنطقة التي توجد فيها، وبعدها يختار الوقت المناسب لصيدها. قص آثار الحيوانات لا يجد قصاص الأثر صعوبة في معرفة أثر الحيوانات بأنواعها فبعض قصاصي الأثر يميز بين أنواع الحيوانات تمييزاً يدعو إلى الدهشة: فهم يميزون: أثر الجمل من أثر الناقة على أساس: – أن قدم الجمل تنهب الأرض نهبا، بينما قدم الناقة تلامس الأرض بلطف، وأما الناقة الحامل فتكون مضربة بخطواتها. – إن الجمل يبول إلى الخلف، بينما الناقدة العادية يسيح بولها مع رجليها، وأما الناقة الحامل فإنها تنثر بولها على ذيلها فيتطاير. أما الأعور من الإبل فيميزه البدو سواء أكان جملا أم ناقة بناء على الأسس التالية: – طريقة السير: إذ إنه يسير دون تمييز إلى الجهة التي تكون باتجاه العين العوراء، ولذلك فإنه يمكن أن يطأ الحجارة أو الشجر أو غيرها دون تمييز. – طريقة الطعام: إذ إنه يأكل من جهة العين السليمة ولا يأكل من جهة العين العوراء. كذلك يمكن معرفة الناقة إذا كان أحد ثدييها محلوبا أم لا: إذ إن الناقة تبعد رجلها التي يلامسها الثدي غير المحلوب، أما رجلها التي بجانب الثدي المحلوب فيكون وضعها عاديا. أما بالنسبة للذئب فيميزون بين أثر الذئب أو الذئبة على أساس أن: – قدم الذئبة أصغر من قدم الذئب. – حين تبول الذئبة فإنها تفتح رجليها لتبول، أما الذئب فيرفع رجله ليبول. ايضا يميز البدو بين الغزال وهو في طريقه إلى المرعى، والغزال الذاهب إلى النوم، وكذلك الأرنب بالتدقيق في أثر سيرهما، وتمييز حركات السير والسرعة، وفيما إذا كان متثاقلا بسيره أم مرحاً سريعاً من هو الجفير..؟ الجفير هو قصاص الأثر أو متتبع الأثر . إنه بالمسمى العربي هو الشخص الذي يتقصى الأثر … وهي هواية التعرف على آثار أقدام الآخرين والتي تنتشر بين القبائل العربية وبالخصوص البدوية منها … وهي الصفة التي ينفرد بها سكان الصحراء الذين تنتشر مضاربهم في البراري حيث الرمال الناعمة والسواحل المبتلة رمالها بماء البحر . كما أن قصاص الاثر يعتمد عليه في تقصي اثار الماشية التي تملكها القبيلة في حالة فقدانها في الصحراء … بالإضافة إلى الاستعانة به في رحلات الصيد لدوره الهام في تقصي اثار الطرائد . أنطلق أحد البدو قديما في صحراء قاحلة يبحث عن جماله الضائعة وهو في رحلة البحث وجد أثرا للناقة وتمعن النظر في ذلك الأثر ثم قال :- هذه ناقة بعين واحدة وهيه تحمل إمرأة حامل أو شيخا مسنا وهيه كذلك مقطوعة الذيل . كان مجرد تخمين لذلك البدوي القديم وبعد فترة من الطريق تحقق من كل ما خمنة حيث أنه وجد رجلا يبحث عن ناقة وإمرأة وقام البدوي بإكمال صفات الناقة وماتحمل فإستغرب الرجل الأخر منه وطلب منه الذهاب الى مضاربة وهناك طلب من الرجال الإمساك به ظنا منه بأنه سارق الناقة ولكنه قال بأن الناقة لم تسرق فهية متجهة غربا بقيادة إمرأة حامل فكيف عرف هذا الرجل عن تلك المواصفات !!! 1- وجد بعر الناقة لم يفرق في جلستها وهذا ما جعلة يخمن بأنها مقطوعة الذيل . 2- وجد العشب الذي أكلتة الناقة وهيه جالسة من جانب واحد مما جعلة يخمن بأن الجانب الأخر لم تره الناقة وذلك لفقدانها إحدى عينيها . 3- وجد أثر ليد غارسة في الرمل بجانب ركبة الناقة وهذا ما جعلة يخمن بأنها إمرأة حامل أو أنه شيخا مسنا . 4- قال بأن الناقة لم تسرق لأنها كانت وحدها ولايوجد أي أثر لسارق . فلكم أن تتخيلوا ذكاء قصاص الاثر . كان قصاص الاثر عندما يرى أثرا للخيل أو ناقة وبعدها يجد الخطوات إتسعت من ثم يجد وقفة مفاجئة بإنغراس الخفوف وتحويل الإتجاة الى اليسار أو اليمين . يخمن من ذلك بأن هذا الخيل مطارد وهذا سبب تسارع الخطوات وربما ظهر له شىء مفاجأ وهذا ما جعلة يقف بقوة ويغير إتجاهه. كان قصاص الاثر إذا وجد أثر الجمل منغرسا فالرمال عرف بأن هذه الناقة محملة . وكان يعرف من الأثر سرعة الناقة وكم مضى على أثرها . العوامل المساعدة على الإبداع في هواية تقصي الأثر :- توفر الوقت الكافي لممارسة هذه الهواية وذلك من خلال تواجد الرجل البدوي في الصحراء لحراسة ممتلكاته من الماشية أثناء فترة رعيها . – طبيعة المناطق البدوية الصحراوية التي يعيش فيها البدوي ونعمومة رمالها التي تساعد بشكل كبير على وضوح الآثر . – قلة المترددين على البيئة البدوية بجانب العدد المحدود لأفراد القبيلة الذي يشجع على التعرف والمقارنة والبحث . – سير معظم الناس ان لم يكون اغلبهم بدون نعل او حذاء . العوامل التي ساعدت على اندثار علم قص الاثر : – التطور الذي شهدته المنطقة والطفرة الحضارية .. بالإضافة إلى توفر أجهزة الشرطة … بمعداتها المتطورة من مختبر جنائي ودليل البصمة … فضلا عن الكلاب البوليسية المدربة على تتبع رائحة المجرم أو الشخص المطلوب . – توفر العديد من الأحذية … ناهيك عن كثرة الأماكن والوسائل التي تكمن الفاعل من الهرب والإختباء . كانت هذة نبذة عن إحدى المواهب التراثية القديمة فما لنا إلآ الوقوف إحتراما لأجدادنا ومواهبهم.