كتب دكتور هشام محمد علي استشاري التغذيه العلاجيه والطب التكميلي و النباتات الطبيه
عرف الإنسان منذ مطلع التاريخ أهمية أنواع كثيرة من النباتات والأعشاب العطرية في علاج أمراضه، وللمحافظة على صحته، ولتقوية نشاطه الجسماني والعقلي.
واشتهرت عند العرب قديما مهنة العطار، وانتشرت أسواق التوابل، وأصبح محل العطارة أقرب ما يشبه بصيدلية اليوم، حيث كان العطار يصف للمريض نوعا من الأعشاب بكمية معيّنة من البذور أو العشب الذي يجب أن يتناوله ليشفى من مرضه.
وما يزال يوجد في معظم المدن العربية، مثل بغداد والقاهرة ودمشق والقدس وفاس وغيرها أسواق خاصة تبيع التوابل والأعشاب الطبية وتقدم الاستشارات للمرضى.
وأصبح علم الأعشاب الطبية واستعمالاتها في علاج الأمراض جزءاً مهما من منهاج دراسة الطب والصيدلة في الجامعات الحديثة منذ بداية القرن الخامس عشر. ويتم حاليا تصنيع مئات الأصناف من منتجات النباتات الطبية بشكل أدوية وزيوت مفيدة تستعمل بمعالجة الكثير من الأمراض أو تساعد بالتخفيف من حدتها عند الإنسان، ومنها الأمراض التي تتعلق بالتهابات الجهاز التنفسي والهضمي والبولي، وكذلك الإسهالات الحادة والمزمنة، والتهابات الجلد وغيرها الكثير.
وتقدر منظمة الصحة العالمية حاليا أن ما يقارب 80 في المائة من سكان العالم يستعملون أحيانا الطب الشعبي (التقليدي) في علاج بعض الأمراض، والذي يعتمد أساسا على التداوي بمستخلصات وزيوت الأعشاب والنباتات الطبية قياسا على خبرات شعوب العالم المتراكمة والمختلفة في هذا المجال.
وتستعمل كلمة أعشاب طبية للدلالة على كل النباتات التي تجف أزهارها وسيقانها وأغصانها ولها خاصية عطرية، ويمكن الاستفادة منها في علاج أحد الأمراض حسب الخبرة المكتسبة. وطبعا الكثير من هذه الأعشاب لم يتم حتى الآن معرفة كافة خصائصها الكيميائية والدوائية بالتفصيل.
وتهتم معظم الأبحاث بالتركيز على دراسة تأثيراتها الضارة، ومنها بالذات خاصية السمية على الحيوانات في المختبر، أو تأثيرها على عدد من الميكروبات المعدية في المختبر.
أنواع الأعشاب والتوابل التي تؤثر في الميكروبات
هناك العشرات من الأبصال والأعشاب والتوابل التي لها تأثير مباشر على منع نمو وتكاثر عدد كبير من الميكروبات، ومنها خاصة بالبكتيريا والفطريات والطفيليات المعدية.
ومن أهم أنواع الأبصال التي تقتل نسبة كبيرة من مختلف الميكروبات الثوم والبصل، كون الاثنين يحتويان على مركبات كبريتية وعطرية، والثوم يحتوي على مادة الأليسين التي تقتل أيضا أنواعا مختلفة من البكتيريا، بينما البصل يحتوي على مركب فيه العديد من سكريات الفاكهة التي تدعم نشاط بكتيريا البيفيدوبكتيريا المفيدة في الأمعاء.
وكل من الثوم والبصل لهما تأثير مطهر قوي على بعض الطفيليات المعوية، ويوقفان تكاثر بعض أنواع الميكروبات المسببة للإسهالات الخفيفة ويساعدان في عملية الهضم.
أما التوابل مثل؛ البهار والقرفة والكمون والزعتر والفلفل الأحمر والأسود الحار والكركم الأصفر، فجميعها تؤثر في نمو الميكروبات المعدية بنسب مئوية مختلفة في التجارب المخبرية، ولكن تأثيراتها تقل كثيراً بعد أن يتم تناولها مع الطعام، ولذلك لا تصلح لعلاج حالات الإسهالات الميكروبية أو للقضاء على التسمم البكتيري.
وتتركز أهمية هذه التوابل بزيادة نشاط الدورة الدموية وفتح الشهية وبزيادة إفراز العصارات التي تساعد في عملية الهضم.
وتفيد بعض الأعشاب مثل شراب البابونج في التخفيف من حدة التهابات الجهاز التنفسي وحرقة البول، ويستعمل كغسيل للشفاء من التهاب العين. في حين يستعمل شراب البنفسج ومركّز النعناع لوقف الإسهالات الخفيفة، كما يساعد الشاي الأسود المغلي لعدة دقائق ومن دون إضافة السكر على وقف الإسهالات بسبب مادة التنيين التي تثبط حركة الأمعاء وتمنع تجمع السوائل، وليس له تأثير مباشر على الميكروبات المسببة للإسهالات.
ومن الملاحظ أن هناك فيضا من المقالات التي تنشر في الصحف والمجلات ومواقع الإنترنت تقدم معلومات غير دقيقة وعلمية عن استعمالات الأعشاب والتوابل في العلاج الطبي، ومنها على سبيل المثال، ما نشر حديثا عن تأثير شراب اليانسون على فيروس إنفلونزا البشر والخنازير، وأشارت المقالات إلى دراسة أجريت في الصين، ونشرت في مجلة الأبحاث الصينية العام 2009 حول هذا الموضوع، ولكن تبين بعد البحث في مصادر المعلومات، أنه لا توجد دراسة طبية نشرت حول اليانسون وعلاقته بالإنفلونزا، وإنما تبين أن هناك عشبة شجرية اسمها Anise star تنبت في الصين، وهي غير بذور اليانسون المعروفة في بلادنا، وهذه العشبة تستعمل كالشاي، كما أنها تضاف إلى بعض أنواع الطعام لتحسين مذاقه. وقد أصدرت هيئة الدواء الغذاء الأميركية FDA تحذيراً من مخاطر استعمالها على الأطفال الصغار؛ كونها تسبب أضرارا جسيمة في الجهاز العصبي.

التدواي بالأعشاب الطبية
منذ أعوام قليلة فقط عادت تنشط مهنة ممارسة الطب البديل وتنتشر بسرعة في أرجاء العالم، وخصوصا الجزء الخاص باستعمال الأعشاب الطبية. ويكفي أن نشير هنا إلى أن دولة مثل الصين بعظمتها وقوتها الاقتصادية الهائلة، وعدد سكانها القريب من البليون وثلاثمائة مليون إنسان ما تزال تعتمد غالبا في علاج الأمراض على استعمال أدوية مستخلصة من النباتات والأعشاب الطبية، وهذه تعطى للمريض بناءً على توصية من الأطباء بعد أن يتم أولاً فحص المريض.
ومما يدعو للفخر والاعتزاز أن تاريخ الطب العربي الإسلامي، تميز بأنه الأول الذي استطاع جمع وترجمة وتدوين معارف الطب القديم، وتصنيفها بطريقة علمية يسهل معرفة فوائدها ومضارها في الوقت نفسه، بالإضافة إلى أن العلماء الذين عاشوا الفترة الذهبية للحكم العربي الإسلامي الممتد من جنوب وشرق آسيا إلى جنوب أوروبا في الأندلس، أضافوا الكثير من التجارب العلمية والسريرية والاكتشافات، وبخاصة فيما يتعلق باستعمال الأعشاب الطبية ومنتجاتها في علاج أمراض الإنسان والحيوان.
وأصبحت كتب وأبحاث مشاهير هؤلاء العلماء من أمثال الطبري والزهراوي وابن سيناء وابن الهيثم وابن النفيس من أهم المراجع التي استعملت بتدريس الطب في جامعات البلدان الإسلامية والأوروبية حتى بداية القرن الثامن عشر، وقد تألقت قرطبة في الأندلس كمركز رئيسي لتدريس الطب والعلوم لجميع أوروبا.
ومن المعروف أن إسهامات العرب والمسلمين في معارف الطب والتداوي بالأعشاب والمدونة في مراجع وكتب ما تزال متوفرة في بعض المكتبات الشهيرة في الغرب وبنسبة أقل في المكتبات العربية والإسلامية.
ومن المهم أن يصبح التدواي بالأعشاب في المستقبل أحد البدائل المهمة في معالجة حالات التهابات الحلق والجلد والمجاري البولية والجهاز الهضمي ولو بصورة محدودة، فتسهم بخفض كثرة استعمالات المضادات الحيوية العشوائي من دون الحصول على وصفة طبية، وإذا حدث هذا التطور بشكل علمي وموثق، فسوف يسهم بخفض انتشار أنواع الميكروبات المقاومة لأدوية المضادات التي أصبحت حاليا سلاحا ذا حدين، يفيد ويضر الإنسان في الوقت ذاته.