نموذجاً فريداً من نوعه بين الملوك
“إدريس السنوسى” أول ملك عربي يصدر مرسوما يلغي فيه لقب “صاحب الجلالة”
ينفرد الملك إدريس السنوسي ملك ليبيا عن الملوك العرب بميزات تميزه عن غيره من الحكام … فهو أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء في 24 ديسمبر 1951 م وحتى حدوث الانقلاب الليبي ضده عام 1969 م كما أنه أول ملك عربي رفض أن يحج على نفقة الدولة وأصر على الحج على نفقته الخاصة على الرغم من كل المحاولات لثنيه عن ذلك , وهو أيضا أول ملك عربي يصدر مرسوما يلغي فيه لقب “صاحب الجلالة” …
الملك محمد إدريس ابن السيد المهدي ابن محمد بن علي السنوسي ولد في الجنوب بشرق ليبيا 12 مارس 1890م نشأ في كنف أبيه الذي كان قائما على أمر الدعوة السنوسية في ليبيا، وعلى يديه وصلت إلى ذروة قوتها وانتشارها، لم يكن ليبيًا الأصل وإنما كان اصله من الجزائر ومن مستغانم و بالظبط من بلدية بوقيراط و هو من احفاد الشيخ عبدا لله و محمد بن علي السنوسي , التحق إدريس السنوسي بالكتاب، فأتم حفظ القرآن الكريم، ثم واصل تعليمه على يد العلماء السنوسيين، ثم رحل إلى برقة عام 1902م
كان له مكانة مرموقة في برقة خاصة وبين اتباع الحركة السنوسية في جميع الزوايا المنتشرة في افريقيا ولكن دوره على الصعيد الوطني لم يتبلور إلا بعد مؤتمر غريان الذي انعقد في نوفمبر 1920 وحضره زعماء الحركة الوطنية في إقليمي طرابلس وبرقة …
بايعت هيئة الإصلاح المركزية محمد إدريس السنوسي أميرًا على قطري طرابلس وبرقة عام 1922م هذه البيعة التي وضعته في مواجهة إيطاليا كأول زعيم وطني ليبي في التاريخ الحديث …
فبدأت الضغوط الايطالية عليه مما اضطره للهجرة إلى مصر، ومن مصر قاد الادريس مشروع استقلال ليبيا عبر مراحل مختلفة توجت بدخول جيش التحرير الليبي الحرب العالمية الثانية إلى جانب قوات الحلفاء ومن ثم الدخول في مفاوضات الاستقلال في اروقة الامم المتحدة…
وفي الرابع والعشرين من ديسمبر 1951 أعلن محمد ادريس السنوسي ملك المملكة الليبية المتحدة، استقلال ليبيا والتي كانت تضم ثلاث ولايات؛ ألا وهي ولاية طرابلس، وولاية برقة، وولاية فزان…
وعرفت ليبيا خلال عهد الملك ادريس نهضة غير مسبوقة وتحولت من دولة يخيم على شعبها الجهل والفقر والمرض إلى دولة تحوي خامس جامعة في العالم العربي وهي الجامعة الليبية ومقرها بنغازي وطرابلس واستطاعت أن تقضي على بعض الامراض والأوبئة التي كانت منتشرة فيها وانطلقت في إعادة بناء المناطق التي طالتها آثار الحرب العالمية وحرب التحرير. وعرف التاريخ لأول مرة دولة ليبيا الحرة المستقلة واصبحت عضوا فاعلا في منظمة الامم المتحدة والجامعة العربية …
وفي سنة 1963 وبناء على اقتراح من الحكومة الاتحادية وموافقة المجالس التشريعية الثلاث في الولايات وموافقة مجلسي الشيوخ والنواب تم تعديل الدستور لتصبح ليبيا دولة موحدة تحت اسم المملكة الليبية، وهذا القرار زاد من تحسين الحكومة وقلل المصاريف وقرب المسافات بين سكان الاقاليم الجغرافية الثلاث….
تعرضت شخصية الملك إدريس لحملة تشويه مغرضة خلال أربعة عقود لرسم صورة مغايرة للحقيقة ولتبرير الخيانة العظمى التي قام بها عدد كبير من ضباط الجيش ومن دار في فلكهم من اصحاب المصالح لكن تاريخ الإدريس ونضاله ضد الاستعمار وسعيه من أجل بناء ليبيا والنجاح الكبير الذي تحقق في عهده يبقى خير دليل على سيرته العطرة وتاريخه النبيل وحبه لشعبه وحرصه على وطنه…
ظل السنوسي ملكًا على ليبيا حتى قامت ثورة الفاتح في 1 سبتمبر 1969 م بزعامة العقيد معمر القذافي رحمه الله فأطاحت بحكم الملك إدريس السنوسي، الذي انتقل إلى مصر لاجئًا سياسيًا…
عام 1983م انتقل الى جوار ربه ودفن في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة بعد أن نقلت جثمانه طائرة عسكرية خصصتها الحكومة المصرية لذلك , وكان الملك قد حكم عليه بالإعدام غيابياً من قبل محكمة الشعب الليبية في نوفمبر 1971م ..