الشيخ الفارس
محمد بن دوخي السمير
توفي سنة 1248هـ رحمة الله
شهرته
حريب الدول ــ أخو عذرا
هذا الشاعر يأسر قلب القارئ.. بل تدمع عليه العيون؛ فقصائده البليغة وأفعاله العظيمة كفيلة بأن تجعلنا نفرح بهذا الفارس الشاعر العربي، الذي سُمّي “حريب الدول”؟!.. كيف؟!.. هل يحارب الرجل دولة؟!..
هذا هو أخو عذرا الذي حمى المستجير به؛ فلم يسلمه للدولة الكبيرة مترمية الأطراف آنذاك.. الدولة العثمانية، ولم يرض أن يهان ضيفه بل المحتمي به.. صور شعرية منسابة، مع أنها شديدة الفخر
إلا أنها تصدر عن قلبٍ بمئة قلب، عن شاعر فارس قصائده حادة مثل سيفه الماضي الصقيل. نلاحظ في قصائده نخوته العالية وتهدئته من روع “شلاش” المستجير به من الدولة العثمانية، إذ يقول أخو عذرا:
“يا شلاش ما نعطيك حمر الطرابيش/ لو جمّعوا كل العساكر علينا/
دونك نسوق لمال والخيل والجيش/ وان لزذموا يا شلاش نرهن حدينا”
.. في الواقع هذه بشرى..
الصحراء لا تنبت غير الرجال، في مجلس هذا الفارس أنفة.. وافتخار.. أليس مما يسرّنا قوله:
يا حمود ما نعطي دخيل نصانـــــا/ لو جمعوا كل العساكـــر والاروام/
ودخيلنا بالكون يا حمود ما يضـام/ دخيلنا عن نصرته ما انتوانا “.
أيها القارئ العزيز: أيّ شعرٍ هذا!.. وأيّ فارس ذاك!.. دماء عربية تتوقد بين الضلوع.. تلتهب حين تبصر مظلوماً.. تفزع له.. تكون ملاذاً له.. تلك هي شيمة عرب الصحراء.. وهذا هو أخو عذرا. فلنستمتع بقراءة أشعار “حريب الدول”:
من أشعاره:
يا شلاش ما نعطيك حمر الطرابيش
لو جمعوا كل العساكر علينا
دونك نسوق المال والخيل والجيش
وأن لزموا يا شلاش نرهن حدينا
سيرته :
حريب الدول ، لقب اشتهر به بين العرب الفارس الشيخ محمد بن دوخي السمير شيوخ قبيلة ولدعلي من عنزة وسبب هذا اللقب أنه أجار أسرة الخديوي من الدولة العثمانية حين طلبتهم فرفض تسليمهم وفضل الموت على أن يسلم دخيل، وبالرغم من أنها دولة ألا أنه كانن زعيماً مُهاباً بين جموع قبيلته ولدعلي، فتلاقى في معركة بين قبيلة ولدعلي وكتيبة من الدولة العثمانية فأباد تلك الكتيبة ولم يفلح الأتراك في ثنيه عن قراره وتسليم دخيله وهنا أذعنوا لقراره وصارت الفدية مقابل دخيله.
وايضا كان قد أجار الشيخ شلاش من الدولة العثمانية، فسمي بذلك حريب الدول وهذه الأسرة من أقدم شيوخ عنزة ، ولها شأن كبير ومنزلة بين قبائل العرب وشهرة واسعة ومفاخر لا تحصى ، وله لقب أخر هو أخو عذرا ، اشتهر به الفارس الشيخ محمد بن دوخي بن سمير نسبة إلى قرية عذرا ببلاد الشام….
يقول محدى الهبداني في قصيدته:
تلفي أخو عذرا من الربع مقصود
زبن الهليب اللي له المنع شاحي
إلى قوله:
يا شيخ يا مبعد عنا كل مضهود
يا مزبنه وان ضاق فيه البياحي
ياما لجينابك عن الحيف والزود
يوم انها قلت علينا المشاحي
والله ما دامي على القاع ماجود
منساك يا طير السعد والفلاحي
من قصائده أبيات يسندها على شخص يدعى حمود :
يا حمود ما نعطي دخيل نصانـــــا
لو جمعوا كل العساكـــر والاروام
يا بعد عن الظيم الرجال اقصرانـا
ودخيلنا بالكون يا حمود ما يضـام
دخيلنا عن نصرته ما انتوانــــا
نحميه لو يطلب بثارات حكـام
إلى قوله :
نكوي المعادي كية وان كوانـــــــا
كي يجي من بسرة القلب قـــــــدام
حنا عذاب اللي توطا رشانــــــــــا
دام الليالي مقبلات والايام
وحنا نهار الكون نرهب اعدانا
وحنا على من دور الظلم ظـــــلام
وحنا اليا سرنا بعيد معدانـــــــــــا
وحنا الذي من نطلبه حق مانـــــام
نبي الحرايب والحرايب منانـــــــا
وش عاد لو جابوا لنا عسكر الشام
يا بعد عن ضيم الرجال قصرانـــا
ما ننثني لو يطلب الجار حكــــــام
أولاد وايل مرهبين اعدانــــــــــــا
نعفي الضعيف وللخصيمين ظلام
ومما يذكر عن مآثر الشيخ الفارس تلك القصة التي قال فيها قصيدته المشهورة “يا شلاش”، وتروي القصة أنّ أحد فرسان وكبار قبيلة العمور ويدعى شلاش العير، نزل على رجل يقال له نصرالله من المشطة من ولد علي بعد أن قتل ضابطاً من قادة الأتراك رجال الدولة آنذاك ، وقيل أنه بسبب الدفاع عن كرامة امرأة أراد هذا الضابط النيل من شرفها فصاحت تطلب النجدة فقتله شلاش العير وأصبح مطلوباً للدولة فما كان منه الا أن توجه إلى الشيخ محمد بن دوخي بن سمير، وقد حل ضيفا عند أحد رجال المشطة وهو عقيل بن سليم بن نصرالله وأوصله إلى ابن سمير وبعد أن وصل إلى الشيخ محمد بن سمير أبلغه بقصته وطلب منه أن يجيره فقال الشيخ محمد بن سمير :
ما يلحقك يلحق ولد علي وقال هذه القصيدة يطمئن مجيره شلاش العير بعد أن أبلغه أن هناك وفداً من الدولة جاء ليفاوض الشيخ محمد بن سمير على تسليم شلاش فقال الشيخ محمد :
يا شلاش قلبك لايصيبه وشاويــــش
حنا هل العادات كان ابتلينـــــــــــــا
يا شلاش ما نعطيك حمر الطرابيش
لو جمعوا كل العساكر علينـــــــــــا
وش عذرنا من أم الثنايا المباهيـــش
غروٍ يزين مرود الكحل عينــــــــــا
دونك نسوق المال والخيل والجيـش
وان لزموا يا شلاش نرهن حدينـــا
إخوان عذرا ما بنا سيس وكديــــش
يرجع معيف وخاسر من يبينــــــــا
حنا اليا سرنا بعاد المطاريـــــــــش
حامين من النقره إلى حد سينــــــــا
مركاضنا يشبع به نافض الريـــــش
نرهب اعدانا كان صوبه مشينــــــا
وان طار ستر منقضات العكاريـش
عدونا لو كان قاسي يلينــــــــــــــــا
وحنا عذاب اللي يدور التباليــــــش
ياما تسلطنا وياما عفينــــــــــــــــــا
ومن شعر الشيخ محمد بن سمير هذه الأبيات أيضا :
يا دار من كثر التواقيف عفنــــاك =عفناك لو أنك حدا والدينـــــــــــــا
يا دار من دم المعادي سقينــــــاك =نطعن ولا كلت سواعد ايدينــــــــا
يوم بحد السيف حنا حمينـــاك =واليوم بعد المال زادوا علينــــــــا
يوم الذي يا دار اقفا وخـــــــــلاك =ما تنشدعن أحوالنا لو غدينـــــــــا
حنا بغالي الروح يا دار نفــــــداك =ما همنا خوف العدا لو فنينــــــــــا
لا عاش من ينكر جميلك وينساك = انتي وطنا ولا لفضلك نسينــــــا
ومن القصص التي تروى أنّ أحد اصدقائه ويدعى الشيخ سمير بن زيدان الجربا أحد مشائخ قبيلة شمر العزيزه كان يزوره في بعض الأوقات، وفي أحد زيارات ابن زيدان الجربا للشيخ محمد بن سمير انتبه لعيال الشيخ ابن سمير وكان عنده خمسة من الأبناء فرأى بهم النجابة والهمة والرجولة فأراد أن يسأل والدهم عن أولاده لكي يتحقق من صدق فراسته ..
فقال:”يا محمد عساك راضي عن العيال؟!”
فقال الشيخ ابن سمير:” ما لقيت بهم الا عيب واحد!” ، فقال ابن زيدان الجربا: وماهو ؟ فقال الشيخ محمد بن سمير: “أعتقد أنهم ماهم من طوال العمار”.. وكان يقصد أنهم شجعان مغامرون وأن الشجاع معرض للقتل، وفي أثناء حديثهم أغار قوم على إبل ابن سمير فأخذوها.. فركب الأبناء الخمسة ولحقوا بالإبل وقتلوا عدداً كبير اً من القوم المغيرين ولكن الأبناء الخمسة قُتلوا جميعاً. وعندما بلغ الخبر الشيخ محمد بن سمير وضيفه سمير ابن زيدان الجربا تأثر تأثراً بالغا خصوصاً وأن ابن زيدان قد فطن لهؤلاء الأبناء وكانت الصدفة أثناء وجوده ،أما محمد والد الابناء فصبر وتجلد وكان يعزي بهم ضيفه ابن زيدان. ويقال أنه في تلك الليلة التي قتل بها أبناؤه دخل على زوجته أم الأبناء وقال لها لنعتبر أن زواجنا بدأ من اليوم وأن هؤلاء الأبناء لم يخلقوا والذي أعطانا إياهم يرزقنا بغيرهم، ثم صلى وأكثر من الدعاء إلى ربه فمرت السنين ورزق محمد بأبناء خمسة أيضا ثم زاره صديقه سمير بن زيدان الجربا فرأى عنده عدداً من الأبناء كأنهم أخوانهم الذين قتلوا فسأله قائلا
: (( لعل الله عوضك )) فرد عليه الشيخ محمد بن سمير بهذه الابيات :
أنا ويا الدنيا شديد الحرابـــــــــه
نوب انغلبها ونوب منها الغلايب
طرادها طراد ضوح السحابــــه
وقضابها قضاب صلف الهبايـب
من عقب ما خلت دياري خرابـه
جابت لنا من غيب الايام غايــب
جابت لي عيال سوات الذيابـــــه
يوم الملاقا ينطحون الكتايـــــــب
يا سمير ابن زيدان دنياك غابـــه
توريك من قب الحلاة النشايــــب
لو هي صفت لابد يجيها انقلابــه
وتطيعها طايب ولا بغير طايــب
المسعد اللي يهتني في شبابـــــــه
انهب من الدنيا تراها نهايــــــــب
والحي لابد ما تجرد ثيابـــــــــــه
صيور ما تركز عليه النصايــــب
غزل الشيخ :
يسند على ابنه الشيخ رشيد فيقول :
حزم نبا يا رشيد من دم وريــــــــدي
عيت عيوني لاتونس بليــــــــــــــــاه
أدن الهريف اللي تروم البعيــــــــدي
فج العضود بواهج القيض معفــــــاه
واربع لها حبل الصرايم بالايــــــدي
تفزيز ربدا صاعها الملح واخطــــاه
والى لفيتوا نجع صافي الحديــــــدي
الصيرمي عقب الاهاوي بيمنـــــــاه
سلّم ونشد عن احوال الوديـــــــــدي
عسى شريك الروح يبهج بلقيـــــــاه
نسل الشيوخ اللي سملهم جديـــــدي
ماهي من اللي يشبه النمل بغطــــاه
قلبي عليها اوماي صفق الجريــدي
اللي مثل ريم الجوازي حلايـــــــاه
متى يجنا ركاب سيد العبيــــــــدي
ومتى تجينا من بعيد مطايـــــــــــاه
يارشيد جمعة شملهم يوم عيـــدي
ومن ابرك الساعات يا رشيد لاماه
وفاته :
وللشيخ محمد بن سمير شهرته العالية فهو من رواسي مشايخ قبيلة عنزة وقد كان له من السطوة وعلو الشأن ما جعل الدول تحسب له حسابا، وله قصص فيها من القوة والفخار ما يجعله فعلا في الموقع الذي هيأه له الله في بلاد الشام (النقرة)، و بالفعل فقد كان شيخاً استطاع أن يخوض بقبيلته وينازع الدول ويحاربها إلى أن أثبت مكانته وأصبح يأخذ “الصر” من الدولة التركية . توفي الشيخ الفارس الشاعر محمد بن دوخي بن سمير سنة 1248هـ ليترك لنا ذكراً طيبا يصور شخصية الفارس والشيخ الذي لم تلن له شكيمة ..رحمه الله