منصة المشاهير العرب مرخصة من الهيئة العامة للاعلام المرئي والمسموع السعودي , ترخيص 147624
هذا أبي

الدكتور / وادي السبيعي ..والدي فلسفته بكر لما تلوثها الرذائل ولا منغصات المصالح الذاتي

31/ أغسطس /2020
avatar admin
219
0

 

 

 

” أصير وتصبر وأعلم وتعلم ” هي أدوية كل يوم يعطينا إياها والدنا – رحمه الله

 

 د. وادي بن براك الزعيلي العنزي

 الأستاذ المشارك بجامعة الملك سعود

 

 

ثمانية أولاد وتسع بنات تربوا بكنف والديهم ، بسطت الرحمة والمودة تعاملهم ، ولكن شظف العيش قارعهم في ستينات وسبعينات القرن الفائت ، فالأب ربما يمر يومه ولا يملك قوته ، والأم تقوم بدورها الطبيعي في تربيتهم بوقت تحول فيه كل شيء بسيط الى أمر معقد وبدون مقدمات ، فالأيام الحبلى لم تعد تجعل للمرء الوقت الكاف للوقوف والتأمل لاختيار الطريق الممهد والأقصر…

لازلت أتساءل كيف يمكن للمرء أن يجابه هذه الحياة وينقصه سلاح المعرفة والتبصر بما حوله؟

والإجابة تكمن في نور بصيرة بالدين والوطنية والمجتمع وبناء النفس، إذ كانت كفيلة للنجاح…

 

ليس بالضرورة أن تكون “صحوياً” لتعيش بسلام في تلك الحقبة الفكرية، يكفيك أن تعزز مبادى الإنسانية في سلوكك، ويكفيك أن تلتمس لأخيك ما تحب لنفسك…

” لن يعرفك الدين مالم تعرفه ” كانت جملة من عشرات الجمل لازالت تعلق بذاكرتنا عند الحديث عن الدين والتدين، كانت تلك الجملة كافية لري حديقة تنمو كل يوم عن الإسلام بمفهومه الشامل ، لم تقتصر الفكرة على ” إطالة اللحى” و “تقصير الثوب” و “التسنن بالمسواك”، بل كانت شريعة تبدأ من النفس وعزتها، وتمتد للعروبة وكبريائها، ونقاوة النفس والضمير، كان الحديث في تلك الحقبة أكبر من البشارات التي ترد لنا تحت المحاريب، وفي المحاضرات اليومية، كانت الدعوات جماعية من المدرسة للمسجد وللشارع إلا البيت: لقد رأينا مدرسة تتحدث الدين في حزم الأب وتربية الأم، وتجمع الجيران على طعام عند دعوة ضيف، عند اللقاء مع الجار و التعامل معه، بل وعند الوداع إذ اعتدنا على وداع كل مسافر أن نقف عند الباب وكأنه “العشاء الأخير”….

 

يبدو أن هذا الزمن يجبر هذا الجيل أن يستغل اللقاء الأول ليصبح “عشاء أخير”، شتان بين الدين والتدين ! باختصار شديد: كان العالم يعيش بواد وكنا مع الجيران نعيش بواد آخر، لم نعرف من على الجادة إلا في عصر الانفتاح والتفتح . لو عاد الزمن لقلت “هذه هي الأغلال” كان الأولى نزعها، ولكن “اصبر وتصبر وأعلم وتعلم” هي أدوية كل يوم يعطينا إياها والدنا- رحمه الله.

من لا يقرأ ولا يكتب لديه ولاء وحس وطني ربما أكثر مما نعتقد، لقد كان المصدر الإعلامي لمنزلنا هو ما يخدم الدين بالدرجة الأولى وما يوافق اللحمة الوطنية بالدرجة الثانية، التيارات الحزبية والاتجاهات الفكرية لم تسترق سمعه ولم توسوس بنفسه، فأصبحت فلسفته بكراُ لا تلوثها الرذائل ولا منغصات المصالح الذاتية، وبذا يعط أكثر مما يأخذ، وحسناته تغطي سيئاته، لذا مهما تمر به نوازع الأحوال يبقى المقياس ثابت وهو: الوطن أولا. “ربما تسمح لا حدهم أن يريك ما يرى فقط لدقيقة، ويحبب لك السمع الذي يود لثوان، لكن لا تسمح لاحد يسرق عقلك، ولو للحظات” كانت عبارة ترن في مسمعي عندما أطلع على الصحف الأجنبية والأخبار العالمية وأسمع ما يحاك، تذكرت حينها تلك المقولات، لقد كانت مدرسة فلسفية عميقة استطاعت أن تربي ثلاثة أجيال متتالية، وتحافظ على النسق الوطني، وتجعل هذا البيت مصدر بناء لا معول هدم.

“اثنان لا تتقاتل معهما: الحكومة والمرأة” عبارة لا يمكن الاستساغة بها الا بالتمعن، فمفرديها نصب من أعمدة المجتمع إذ الحكومة هي مصدر التشريع والقانون والمرأة هي بناء للسلوك المجتمعي، وعند التعارض معهما ربما تنجح مؤقتا لكن “دين الحكومة لا يموت” وكذلك “ربح مع المرأة يوما هو خسارة دهر”، لا تناقش كثيرا ولا تجادل ” أطع للأولى” وأسمع للثانية، ان اردت النجاح في حياتك…

 

المجتمعات لبنات تعلو ومنها من يصل عنان السماء وهي قلة، ومنها من تخمد ناره، فلا ترتكب ما يوقد تنافر المجتمع ولا تنهج سلوك العدوى بباطنك وتمارس طقوس التقية، كن كما أنت لا كما يريدك الآخرين، إياك وإياك أن تظهر ما لا تبطن، لا تسمع الناس حمدك لله وثناءك على من حولك بالنهار، وبالليل تذم وتنقد، أي بني : لا يكن أسمك محمد وأحمد ومسماك أبو لهب وأبو جهل …

خذ العفو وأمر بالعدل وقل الحق، فاليوم تستطيع أن تقول “لا” للباطل وغدا ستجلب ذنب كل من تسببت بجريرته، فقد يكثر عدد سيئاتك وتقل عدتك لتدافع عن نفسك….

خذ وسط الأمور في معاملتك المجتمعية ، أليس خير الأمور أوسطها؟

​مالم تثق بنفسك وقدرتك بعد الله لن تبلغ منا لك  لا تيأس وحاول، وتعلم وليس كل خطأ ارتكبته هو جريرة بل فرصة للتعلم، فالحياة تجارب، وعش يومك لك أولا ولمن حولك ثانيا ، لا تلتفت للوراء ، قراراك لا رجعة فيه، التردد في اتخاذ القرار يفتت عصبة الرجل ، والشك مبدأ وليس وسيلة لهدف ترمي له. لا تعامل الناس كما يعاملوك، عليك بالحسنى، وان جفوك، عليك بالعدل وان جاروا عليك، لا تسر مع التيار وكن أنت من يحرك التيار….

 

عود نفسك على العطاء ولا تبخس الناس أشيائهم، رب ولدك على الفضيلة وأسلك مسك العابرين التاركين أثر لا آخذين المأثور… ستدرك يوما يا ولدي أن هناك توافه في هذه الحياة حرمت الكثير منا لذة السعادة ، جعلتهم ينظرون للقشر ويتركون اللب ، الحياة كفاح ونجاح، وعلى قدر كفاحك سيكون نجاحك، إن صبرت وكافحت واجتهدت يوما فستنجح ليومك فقط، وان ارتأيت العيش محلقا كالصقر لا توقفك حدود ولا يسع كون فستعش كريما ممتنا لربك وسعيدا بحياتك …

 

ستجد أغلب الناس سعداء ظاهرياً، لكن البؤس يمحق نفوسهم، ارحمهم واعطف عليهم مهما بلغت ثروتهم ومهما تمادوا بطغيانهم، انه النقص الكلي في فهم الحياة…

لقد تعلمنا من والدنا / براك الزعيلي – رحمه الله – مالم نتعلمه في مدارسنا وجامعات الغرب ، لن يسع المجال للكتابة حول “الأسطورة” فكلما كتبت قللت مما أريد ايصاله ، ربما الصمت أبلغ رسالة يمكن أن تخطها للوفاء بدين عليك  ، أو لحظة اعجاب تقدمها لمن لا توفيه حقه، فهذا الرجل خلف لنا كنزا من العلم والمهارات التي نحتاجها- فهو لا يقرأ ولا يكتب- ولكنه خلف أبناء وبنات جلهم يحملون الدرجات العليا ويبنون لبنة في وطنهم ويصفون مع مجتمعهم ومحققين أعلى مراحل الثقة بالنفس لبناء وطن شامخ…

قلي بالله عليك: هل لو كل والد أدى رسالته بقي بيننا ألم ، حزن، شقاء؟ أشك بذلك.

 

عن الكاتب : admin
عدد المقالات : 11326

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.