الجوع كافر
من لم يجرب الجوع أكيد لا تعنيه هذه العبارة «الجوع كافر» لانه لا يدرك مدى الشعور والحاجة التي يشعر بها الإنسان الذي مر بهذه الحالة، فالمضطر إلى الطعام لسد رمقه في حالة انعدامه يواجه خطورة الموت وعندها تباح له كل الاعذار فالذي يخاف التلف على نفسه يتناول كل ما يحفظ به نفسه، لهذا يبيح لنفسه اكل الميتة والسرقة والنهب، ومن الطريف ما ذكر أحد المشايخ ان الجائع المضطر إذا لم يجد إلا نفسه جاز له أن يقطع بعضاً من اعضائه غير الرئيسية التي لا يؤدي قطعها إلى هلاكه ويأكلها..!
نعم الجوع كافر كما قالت العرب وشاركها في هذا كثير من الشعوب الاخرى ومن طرائف ما قرأت حول هذا الموضوع هذا الموقف المضحك المبكي في آن واحد يقال على سبيل النكتة أن أحد الرؤساء الغربيين اثناء قضائه لاجازته المعتادة بمزرعته وعلى الطريق إلى منزله شاهد وهو في سيارته أحد الامريكيين يأكل الأعشاب على جانب الطريق فأمر السائق بالتوقف وسُئل الرجل عن سبب أكله للحشائش فرد مواطنه الضعيف: سيدي الرئيس أنا معدم ولا أملك مالاً لشراء طعام وعاطل عن العمل وبرامج التأمين التي تشملني تم الغاؤها في ولايتك الاولى فتأثر الرئيس وكادت أن تدمع عينه واطرق برأسه للارض من الخجل وقال للرجل أبشر بالخير تعال معي لمزرعتي القريبة من هنا عندها زار الفرح والسرور وجه هذا الرجل المعدم ولم يصدق اذنيه وخاطب الرئيس بالقول: سيدي الرئيس أنا لدي زوجة و(6) أطفال لم يأكلوا منذ أيام..!!
رد الرئيس بدون تردد: هيا، اجلبهم معنا، ساعتها جثا الرجل على ركبتيه شاكراً الرئيس وقال: سيدي انت طيب وحنون ولا يمكن أن تكون بالقسوة التي يدعيها معارضوك أو العرب لا أصدق أنك ستتكفل بعشائنا أنا وأسرتي هذه الليلة وعلى حسابك الخاص!!
رد عليه الرئيس مبتسماً: لا داعي للشكر أيها المواطن أنت لا تتخيل مدى كثافة وطول الحشائش في مزرعتي..!
وتذكرت وأنا أكتب عن هذا الكافر «الجوع» زميلاً رحل عن دنيانا الفانية إنه الصحفي – إبراهيم المرحبي الذي تعامل مع الجوع وفق فلسفة خاصة به كشاعر قبل أن يودع الجميع.. تذكرت قوله وهو يناجي والدته ويقول:
ادري ان الجوع ما به رأس مال
بس أنا والجوع يمه نستوي
له مواسم عشب فيني واحتفال
له مطر يهمي فصدري وارتوي
إلى قوله:
لو هوت شمس العمر نحو الزوال
تنطفي الدنيا وشمسي ما تهوي
يبقى لحن الجوع للعمر اشتعال
كلما.. غنيت أحس اني قوي
وأخيرا يقول ميخائيل نعيمة: لأن الجوع لم يترك لنا صحباً نناجيهم سوى اشباع موتانا!.
فإنا لا نذكر منهم إلا الرائعين .. الذين عانوا مما نعاني وترجموا صرخة الجوع حروفاً من ذهب.