الجنيدل والجحود
على مدار السنوات الماضية كان الشيخ سعد بن جنيدل حاضراً في ذاكرة جميع الزملاء العاملين في “خزامى الصحارى” بل والمتابعين لها عبر منافذه الفكرية التي يخصنا بها دون سوانا من الصحف بين الحين والآخر كاتباً عن جغرافية الأدب العامي، والحقيقة ان الحديث عن العلاقة بين الشعر والأمكنة أمر لا يمكن الإلمام به الجزم بدقته إلا أن فقيدنا مارس أسلوب العمل الميداني فزار المناطق والمحافظات والبراري ورصد مسميات الجبال والسهول والأودية ودوَّن ملاحظاته واختلط بأهل تلك المناطق وكوّن قاعدة معلوماتية هائلة، استفدنا منها عندما قام بإيداعه في كتبه، فما أن تورد اسم جبل على سبيل المثال أو وادٍ إلا وتجد أديبنا الراحل حاضراً وبالذات عندما يكون الموقع هذا في عالية نجد، فالراحل أحاط بنطاقه وحدوده وأوصافه وما قيل فيه من أشعار فصحى أو عامية، كما أنه غزير في مجال التأليف حتى بلغت أعماله أكثر من ثمانية عشر مؤلفاً ومخطوطاً.
كان رحمه الله يلتزم الحياد والموضوعية وفق مفهوم الاجتهاد والاستزادة من آراء وأقوال الآخرين وتدوينها، وترفع عن الصغائر حتى ان بعض الأقلام الشابة تجاوزت في فعلها وقامت بسرقة بعض من أعماله إلا أنه فضّل عدم إثارة الموضوع والتزم الصمت ظناً منه أن الفائدة سوف تشمل الآخرين من جراء نشر أعماله فترفع عن تلك العقول والأقلام التي سرقت جهده في وضح النهار وأهملت ذكره أو على أقل تقدير ذكر مؤلفه الذي تم الرجوع إليه في النقل..!
وما يحز في النفس ويزيد من ألمها غيابه عن الصحافة المحلية وخصوصاً تلك الصفحات المتخصصة بالتراث والشعر ولا أخفيكم ان الحزن توغل داخلي لعدة أيام وانا أرى هذا الجحود والممارسة الخاطئة للقائمين على الصفحات الشعبية عندما أهملوا خبر وفاة أديب وعلامة بحجم الشيخ سعد بن جنيدل ولم يذكروا بعضاً من إنجازاته أو الرجوع لبعض كتبه أو مقالاته أو الحوارات التي كانت تنشر في الملاحق الثقافية المعنية بالشعر والأدب الفصيح.. أما صحافتنا الشعبية فإنها للأسف غيبت سعد في حياته بل وحتى بعد مماته.. فأين المزايدة والمبالغة والصريخ والدعوة بأن تلك الصفحات تعنى بخدمة التراث المحلي ورجاله فأديبنا اهتم بالتأليف وبالشعر الشعبي ولديه متحف فيه من المقتنيات التراثية الشيء الكثير بل انه مادة خصبة للتراث وللقائمين على صفحاته.. بما حفظ ودون وسجل ولكن للأسف غاب.. وغاب المنصفون في قول كلمة الحق بحق هذا الرجل الذي أعطى الكثير ورحل وترك لنا أعماله ومخطوطاته وسيرته العطرة التي نفخر ونعتز بها لمربٍ ومهتم بالموروث.
رحمه الله وأسكنه فسيح جناته وعزاؤنا أن المنصفين يتواجدون ليقولوا لمن يزايد أخطأت وللذين ينصفون الآخرين أحسنتم!
الجنيدل سوف يحضر في “خزامى الصحارى” عبر مقالاته التي زودنا بها والتي تكفي لأنها عبارة عن مخطوطات لبعض المناطق أو الشعراء وهي دون أدنى شك مادة ثرية وغنية وتستحق النشر لثراء ما فيها من معلومات.