الالتزام بالأدب يعني الكثير ولا يقتصر على الفعل أو السلوك الفعلي بعيداً عن المنطق أي القول
حتى وإن كان هذا شكلٌ أدبي مموسق وموزون ومقفى وله دلالة واضحة ومعنى جلي..
إذ إن هناك أسساً وقواعد إنسانية مكتسبة لا يجوز الخروج عليها، وما دعاني للخوض في هذا الموضوع
شعر الافتخار الذي بدأ يغزو عالم الشعراء وإن كنت لست ضده ولكن عندما يكون مقنناً وينطلق من جوهر الواقع
فقد تستمع لشاعر شاب في عقده الثاني أو آخره.
وهو يتلو على الحضور بعض إبداعاته الشعرية فتجده يضع نفسه أو قبيلته في مكان لا يضاهى ولا يوجد مثيل له
بل إن البعض يحيد الآخرين ويبرز وكأنه الوحيد في هذا الزمن الذي لم يولد مثله
فهو الشاعر الذي لا يشق له غبار
ولا يستطيع أحد مجاراته
وهو ابن القبيلة الصائلة والجائلة التي لا تصد ولا ترد..
فأين نحن من أخلاق الفرسان الذين خاضوا تجارب الحياة بكل أوجه الصراع الذي يؤرخه لنا الباحثون عن الحقيقة
وهم يشيدون بخصومهم ويرفعون من شأنهم ويضعونهم مكانتهم اللائقة بهم
وهذا ليس مقتصراً على الفرسان بل حتى الشعراء يتعاملون مع الآخرين من أندادهم بالمصداقية ولا يقللون من شأنهم.. لقد استغربت أن يقوم شاعر شاب بوضع نفسه في مكان العلو وهو يعرف في قرارة نفسه حجم هذه الهالة التي يتكلم عنها ويدرك أنها من نسج الخيال.. وليته يترك الطرف الآخر يحكم عليه ويسكنه مكانه الذي يستحقه بدلاً من أن يتيح له مجال السخرية والضحك عليه.. وإذا كان أصحاب مذهب الواقعية يريدون لأنفسهم هذا أو أولئك الحالمون فإن المتلقي من مستمع أو قارئ أو مشاهد يعلم حجم ومصداقية هذا المتفاخر والمعتز بنفسه أو بقبيلته على حساب الآخرين.. فالزهو والافتخار ما لم تؤطره الأخلاق والاتزان والحيادية فهو هراء أجوف لا يقبل من أي كائن كان ومهما كانت مبرراته.. واستغرب أن بعض المهتمين بالبحث العلمي المتعلق بالانساب أو بجمع القصائد ينساقون خلف أوهامهم وأحلامهم ويضعون من يريدون بالقمة وليتهم يفعلون ذلك وينصفون البقية حتى يحفظوا على الأقل لملامحهم وأسمائهم شيئاً من التقدير والاحترام في ذاكرة الإنسان والتاريخ!
وحتى لا يكتبوا في سفر صفحاته جهلاء العصور المتقدمة وعليهم أن يعيدوا لرشدهم ويرشدون افتخارهم بما يحفظ للاعتزاز والافتخار موضعه وإن بالغوا به مع شيء من القابلية عندما يشيدون بواقع أو بمنجز إما أن يحلق الشاعر بخياله ويضع لنفسه أعمالاً ومنجزات من وهم ويشيد بها فهو أمرٌ يحتاج لمراجعة الذات والعودة إلى الصواب.