كتب : دكتور هشام محمد علي استشاري التغذية العلاجية والطب التكميلي و النباتات الطبية
الأمن الغذائي والتغذوي على نطاق الأسرة
اولا : يعد رفع مستويات التغذية من صميم اختصاصات المنظمة التي سعت منذ نشأتها إلى المساعدة على إقامة عالم متحرر من الجوع وسوء التغذية.
وفي مؤتمر القمة العالمي للأغذية الذي عقد عام 1996، أعاد قادة 185 بلدا التأكيد على التزام حكوماتهم بتحقيق هذه الغاية
وتكريس جهودهم لتنفيذ خطة العمل العالمية للتغذية التــي اعـتمدها المؤتمر الدولي المعني بالتغذية في عام 1992.
كما تعهدوا بخفض عدد من يعانون من نقص الأغذية المزمن في العالم إلى نصف مستواه في موعد أقصاه عام 2015.
ثانيا : التحدي الذي يشكله الوفاء بهذه الالتزامات في إقليم الشرق الأدنى هو تحد فريد.
فالتباين في مشكلات التغذية لا يعد تباينا صارخا بنفس القدر في أي اقليم آخر من أقاليم العالم. وتشمل حالة التغذية في هذا الإقليم طائفة المشكلات التغذوية
بدءا بنقص التغذية وانتهاء بالافراط فى التغذية ومرورا بمشكلات واسعة النطاق تتصل بنقص العناصر الغذائية الدقيقة.
وتواجه بلدان كثيرة تحديا مزدوجا يتمثل في التعرف على الأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي ومساعدتها على تحقيق مستوى تغذوى سليم من جهة، والترويج للنظم الغذائية السليمة، وأنماط الحياة الصحية، وتعزيز الأمن الغذائي لمجمل السكان من جهة أخرى.
ثالثا : يعتبر تحسين الأمن الغذائي الأسري العنصر الرئيسي في الاستراتيجيات الرامية إلى الحد من نقص التغذية المنتشر على نطاق واسع.
ويتمثل الأمن الغذائي الأسري بحكم التعريف في “قدرة الأسرة على أن تؤمن، إما عن طريق انتاجها الخاص
إما عن طريق مشترياتها، أغذية تكفي لتلبية الاحتياجات التغذوية لأفرادها” (منظمة الأغذية والزراعة/منظمة الصحة العالمية، 1992).
ويعني هذا في الممارسة العملية أن الأسر التي تعتبر “آمنة غذائيا”
يجب أن تضمن فرص الحصول على مدار العام على أغذية مأمونة بالمقادير والأنواع اللازمة لتلبية الاحتياجات التغذوية لكل فرد من أفرادها.
رابعا : قد اعتمدت عدة بلدان في إقليم الشرق الأدنى سياسات وبرامج معينة لضمان الأمن الغذائي الأسري.
ونفذ في عدد من البلدان برامج مثل دعم السلع الغذائية الأساسية، ولاسيما الدقيق (الخبز)، والسكر، والزيت، ثم الأرز في حالات معينة.
ونظرا لأن برامج الدعم هذه تكون مكلفة عادة وتنطوي في أحيان كثيرة على استيراد سلع غذائية،
ولا تشكل بالضرورة أكثر السبل فعالية للوصول إلى الفئات السكانية التي تحتاج الى الدعم،
فإن الحكومات تنفذ الآن برامج تغذوية موجهة خصيصا لفئات بعينها. ومن ذلك مثلا أن دعم الخبز الأسمر
(الذي يعد أرقى تغذويا لاحتوائه على مستويات أعلى من الفيتامينات والمعادن والألياف) لصالح الأسر متوسطة ومنخفضة الدخل،
وعدم دعم الخبز الأبيض الذي تستهلكه أساسا الأسر مرتفعة الدخل، يعد سبيلا أكثر فعالية وأقل تكلفة لتلبية الاحتياجات التغذوية للأسر
التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي. كما تعتبر الحصص التموينية الغذائية وقسائم الأغذية
من الأمثلة الأخرى للبرامج الموجهة التي تنفذ لتحسين الأمن الغذائي والتغذوي للأسر منخفضة الدخل.
خامسا : في بعض البلدان، تنفذ برامج للتدخل التغذوي، مثل برامج التغذية المدرسية للأطفال في المناطق الريفية والحضرية.
وتنطوي هذه البرامج، إلى جانب تلبيتها لاحتياجات تغذوية معينة، على ميزة إضافية
هي تشجيع الالتحاق بالمدارس والانتظام في الدراسة وتقليل معدلات الانقطاع عن التعليم.
وتنفذ برامج أخرى لزيادة انتاج واستهلاك الأغذية اللازمة للوجبات المتوازنة والمغذية، وذلك من خلال تشجيع الحدائق المنزلية والمدرسية.
سادسا : تعاني فئات معينة من السكان داخل الإقليم من نقص بعض العناصر الغذائية مثل اليود في مناطق جغرافية معينة؛ ونقص الحديد وخاصة بين الأمهات والأطفال؛
ونقص فيتامين ألف في الفئات السكانية التي لا تستهلك مقادير كافية من الفاكهة والخضر. وبغية التغلب على حالة النقص هذه،
تتخذ عدة حكومات إجراءات لإثراء ملح الطعام باليود، وتزويد الأمهات الحوامل والمرضعات بأغذية تكميلية تحتوي على الحديد.
وبالإضافة إلى ذلك، يشجع عدد من الحكومات انتاج واستهلاك وجبات غذائية متنوعة من أجل تلبية الاحتياجات التغذوية لجميع أفراد الأسرة.
سابعا : ولكن يتبين أيضا من ملاحظات سجلت في أنحاء شتى من العالم، أن الأمن الغذائي للسكان
(أي فرص حصولهم من الناحيتين المادية والاقتصادية على أغذية تحتوي على عناصر غذائية كافية) لا يترجم بصورة آلية إلى تمتعهم بمستوى تغذوي سليم.
فالاضطرابات التغذوية، بما فيها نقص التغذية، لا تختفي بالضرورة بمجرد تحقيق الأمن الغذائي.
فضلا عن التمتع بفرص الحصول على أغذية مأمونة ووافية تغذويا، يجب أن يتمتع السكان بما يلي:
معارف ومهارات كافية تتيح لهم اقتناء وإعداد واستهلاك وجبات وافية تغذويا، بما فيها الوجبات اللازمة لتلبية احتياجات صغار الأطفال؛
فرص الانتفاع بالخدمات الصحية وببيئة صحية لضمان الاستخدام البيولوجي الفعال للأغذية المستهلكة؛
الوقت والدافع اللازمان لاستخدام مواردهم على الوجه الأمثل من أجل توفير الرعاية الأسرية الكافية واتباع الممارسات الغذائية السليمة.
ثامنا : ومن ثم فإن الحالة التغذوية الفعلية للفرد يحددها عدد من العوامل المتشابكة ليس الأمن الغذائي إلا عاملا واحدا منها فحسب.
لذا يستخدم مصطلح “الأمن التغذوي” لوصف الظروف التي تتوافر فيها فرص الانتفاع بجميع العوامل الغذائية والصحية والاجتماعية والاقتصادية والبيئية اللازمة
للتمتع بمستوى تغذوي سليم ضمن السياق الثقافي المناسب. وقد تم التأكيد على قضية الأمن الغذائي والتغذوي الأسري
في كل من المؤتمر الدولي المعني بالتغذية ومؤتمر القمة العالمي للأغذية، وكذلك في عدد من الاجتماعات القطرية والإقليمية التي عقدت في الشرق الأدنى.
لذلك ستركز هذه الوثيقة بقدر أكبر على التوعية التغذوية وتعميق وعي المستهلكين، وهو عنصر هام في ضمان الأمن الغذائي والتغذوي على نطاق الأسرة.