منصة المشاهير العرب مرخصة من الهيئة العامة للاعلام المرئي والمسموع السعودي , ترخيص 147624
مجالس العز

الأدب الشعبي شكل من أشكال التعبير الراقي لا يفصله عن الأدب الفصيح إلا قواعد النحو

06/ مارس /2021
avatar admin
322
0
عبدالرحيم الأحمدي

اختلف الباحثون في تسمية الإبداع غير الملتزم بقواعد اللغة الفصحى،

واتفقوا على دلالة كلمة شعبي بأنها تعني هذا النوع من الأدب.

ومن هذا المنطلق سأستخدم هذا المسمى فيما أكتب حول هذا الموضوع،

وربما عني بالشعبية هذه شيوع إنشائه ممن يجيد الكتابة بالفصحى وبغيرها،

وأن الحس الاجتماعي والمحلية تفيض من كلماته وعباراته

ومقومات بنائه بحيث أنه يستجيب لمؤثرات سواد المجتمع.

والأدب الشعبي هذا هو شكل من أشكال التعبير الراقية، إذ لا يفصل بينه

وبين أدب الفصحى سوى الالتزام بقواعد اللغة العربية (النحو)،

وأهل هذين الأدبين يعرفون ذلك، أما المعايير البلاغية أو الفنية بعامة مما يستخدم في النقد فإنها تراعى في كلا الأدبين، وربما ازداد الإبداع الشعبي معايير أخرى تنبع من ثقافة المجتمع، ويواجه الأدبان اليوم مشكلات الإبداع نفسها فيما يتصل بدرجات الجودة والضعف فيه، إلا أن اللهجات تبسط نفوذها على الأدب الشعبي فينحسر تذوقه عند التلقي على البيئة أو المجتمع المنتج للإبداع المعنى وعلى الذين يعشقون هذا الفن، وذلك بحاسة التذوق والفهم، بينما يتميز أدب الفصحى بوحدة التشكيل واتساع قاعدة التلقي إذ يبدع بلغة مشتركة وقواعد موحدة ومناهج فنية تشكلت عبر زمن طويل، وتجربة مدروسة.

إن السواد الأعظم من الناس في البلاد العربية ميالون إلى تذوق الفنون الشعبية وتذكرها عند كل مناسبة، فهي إبداع البيئة التي رعتهم منذ الطفولة، وتشربوا نتاجها الفطري، إبداع يشعرون أنه مما تتفتق عنه الأرض بعد المطر، ويستجيب لهاجس طوعته الحالة الاجتماعية التي يستعيدونها من خلاله.

هذا موضوع يتطلب سعة من الوقت وتفصيلاً من الكتابة يضيق صدر الصحف عن استيعابه، ولعلي أجد من خلال هذه الأحاديث ما يقدم شيئاً عن هذا الأدب ومنه، مما يساهم في تذوقه، ويكشف عن جمالياته وأدبياته.

بين الشاي والقهوة:

تحتل القهوة منزلة كبيرة لدى العرب منذ القدم، واتسع هذا الاهتمام ليشمل أمما أخرى، وتبتكر طرق عديدة في إعداد وتقديم القهوة، حتى كانت تفتقد أحد مسمياتها وهو المرة، إذ أن الأصل في شربها مرة دون إضافات، ثم أضافوا إليها بعض المحذقات من بهارات الهيل والقرنفل والزعفران، وهي إضافات لا تذهب المرارة وإنما تساهم في نشر عبق القهوة وجذب الجلاس إلى مجلسها وعندما ظهر الشاي في قرى وبادية الحجاز انحاز الرجال إلى القهوة وانفردت مجالس النساء بالشاي، وظلت القهوة سيدة مجالس الرجال، وظل الشاي يطرق هذه المجالس تفكها. وقد أنكر الشاعر سعيد الظاهري شرب الرجال للشاي بطرق هذه المجالس تفكها. وقد أنكر الشاعر سعيد الظاهري شرب الرجال للشاي ودعاهم لتركه لأنه يشدهم للبقاء طويلاً في بيوتهم فتخلو مجالس الرجال من أكثرهم فقال:

يا عيال جوزوا عن الشاهي ترى ما فيه نوماس

ما فيه غير الخساير والبقايص في الحوالي

ان جيت تزهم على الصحاب ولا انّه غير دساس

مِكءمِشء كما يكمش البردان عند ام العيال

غرامنا دلتين وبنهن يحمس بمحماس

يشرونه اهل المعاني بالجنيه وبالريال

يدرج على اللي إذا صفوا سواة الترك جلاس

شباب والا نشامى من بواطير الرجال

كتاب في الأدب الشعبي:

كان كتاب “من شيم العرب” من أوائل الكتب التي تناولت أخلاق البادية بل العرب في الصحراء والبوادي والأرياف، ومن ثم المدن، وفيه ذخائر من الأدب الشعبي وبخاصة شعر البادية مما استخدم الكاتب من شواهد على الأحداث والمواقف التي اشتمل عليها الكتاب، ولأن الأعراف والتقاليد تبلى بحلول قيم اجتماعية بديلة تخضع لتطور الحياة وتقلباتها واتساع الثقافة والتجربة الإنسانية فإن من الجيل الجديد من يرى في تلك الشيم آراء أخرى قد تصرفه عن قراءة هذا السفر القيم، أو يقرؤه قراءة جديدة مخالفة لقراءتنا له، ولكنه يظل مرجعاً ووثيقة للتاريخ الاجتماعي لبلادنا، أدعو الجيل لقراءته، فقد بذل مؤلفه جهداً كبيراً في توثيق الأحداث التي وردت في مجلداته الأربعة، وكتابتها بأسلوب أدبي رفيع، وعرض شيق.

الشيشة والتميس:

  • ما تقول لي يابو علي متى دخلت الشيشة إلى المجتمع النجدي.
  • المسألة واضحة دخلت الشيشة إلى المجتمع النجدي مع انتقال الوزارات من مكة وجدة إلى الرياض حوالي عام 1373ه.
  • مالك لُوى! ويءن تروح من قول حميدان الشويعر:

مانع خيّال في الدكَّة وظفر في راس المقصورة

وان صاح صياح من برا وايق هو وايّا الغندورة

اليمنى فيها الفنجال واليسرى فيها البربورة

والبربورة هي الشيشة، والشويعر عاش في الفترة ما بين نهاية القرن الحادي عشر الهجري وبداية الثلث الأخير من القرن الثاني عشر مدركاً في أواخر حياته نشأة دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب – رحمه الله – وقد تكون الشيشة موجودة في المجتمع النجدي قبل ذلك. وهكذا يساهم الشعر في حفظ التاريخ الاجتماعي والأحداث بعامة.

وبالمناسبة فإن المجتمع النجدي يمقت التدخين بعامة، فكأنما هم يعون بالأضرار التي يجلبها التدخين للمدخنين، وقد زعم المتندرون بهذا المقت أن رجلاً نجدياً أدى فريضة الحج وقابل في رحلته أحد أبناء جيرانه الذين يتلقون التعليم في مكة، وعندما عاد الرجل إلى قريته سأله جاره عن ابنه فقال له: ولدك غدا عند الشيشة والفول والتميس إن ما لحقته. فغادر الرجل قريته ليلاً لينقذ ابنه من الثلاثي الخطير الذي أحاط به.

عندما قابل ابنه لم ينكر عليه شيئاً فأراد التريث ليمسكه بالجرم المحذور قائلاً: الصباح رباح، أعد الابن وجبة الافطار من تميس ساخن وفول متوج بالسمن البلدي أو البري، لم يسأل الأب عن التمر والقهوة ولكنه أقبل على إفطار لم يتذوق مثله من قبل، وسأل ابنه ما هذا؟ وكان السرور من لذة هذا الإفطار يبدو على ملامح الرجل، فأجابه الابن: هذا فول وهذا تميس. قال الرجل: ولدي عجل علينا بالشيشة.

قيم اجتماعية:

لكل زمن قيم يرعاها وينشدها في الجيل، وقد تحاور اثنان من أهل الرأي حول الرجولة واستحقاقها فقال الأول:

ثلاث يا صبيان فَيءد الغانمين

من حاشهن تمسي حباله واردات

لام الرفاقة عزء في عسر ولين

والمرجلة تورد زنوداً فاترات

وقال الاخر:

ثلاث يا صبيان فَيءد الغانمين

من حاشهن تمسي حباله واردات

العلم والتدبير والراي الحسين

ونص الشجاعة يوم وَقَع الحادثات

ترى من الذي أصاب منهما الرأي السديد، وأيهما أكبر سناً؟ علماً بأن هذه المحاورة كانت قبل ما يزيد عن المائة والخمسين عاماً تقريباً.

كسرة اليوم:

الكسرة فن شعري رفيع من الفنون الشعرية المعروفة في منطقة ما بين الحرمين الشريفين، وتمتاز الكسرة بالإيجاز والتكثيف ولا تتجاوز البيتين ومن ذلك كسرة اليوم:

قالت مسا الخير ياموتى

في حَزّتي رحت ميّت حي

دوّرت للروح في صوتي

جلّ الأسى ما اهتديت لشي

عن الكاتب : admin
عدد المقالات : 11326

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.