- إذا عدنا لموروث البادية لنحدد ما هية هذا المصطلح/الصعلكة.. نجده مرفوضاً تماماً وغير مقبول بشكله الظاهري.. فلا يستطيع إنسان عاقل يعيش حياة البدوية بكل تفاصيلها اليومية أن يطلق على شخص آخر أو يرميه بوصف “الصعلوك” لأن ردة الفعل سوف تكون قاسية ودرساً لا يمكن نيسانه بل إنه قد يؤدي إلى إزهاق حياته ماذا لو أطلق هذه العبارة الجادة والمرفوضة لآخر وسط جمع من الناس، وما كنت لأكتب عن هذا الموضوع إلاَّ أن دراسة أدبية وقعت بين يدي وأنا اتصفح إحدى المجلات للأخت فوزية العريفي تقول فيها: أجدني مشدودة لبحث مثل هذا الموضوع “الصعاليك” وإلقاء بعض الضوء على حياتهم، وأشعارهم، لكونهم فئة منبوذة من مجتمعهم، يدفعني شعور قوي بالتعاطف معهم لإحساسي بالظلم والحرمان والتشرد الذي عانوه في حياتهم..!
واستشهدت في تعريف هذا المصطلح بقول الدكتور يوسف خليف بأن الصعلكة بمفهومها ـ اللغوي ـ الفقر الذي يجرد الإنسان من ماله، ويظهره ضامراً بين أولئك الأغنياء المترفين الذين أتخمهم المال وسمنهم.. أو هو الفقير الذي لا مال له يستعين به على أعباء الحياة، وتؤيد ـ العريفي ـ هذا التعريف وترجحه على الرأي القائل انهم جماعة من قطاع الطرق الذين انتشروا في أنحاء الجزيرة العربية، يغيرون ويغنمون ويأوون إلى شعاب الجبال، والكهفوف، والوديان.
وقد قسمت الدراسة الصعاليك إلى ثلاث مجموعات الأولى مجموعة من الخلفاء الشذاد الذين خلعتهم قبائلهم لكثرة جرائرهم والثانية مجموعة من أبناء نبذهم آباؤهم أما الثالثة مجموعة احترفت الصعلكة احترافاً.. فهؤلاء برأيها كان دافعهم الأول والأخير الثورة على الأغنياء بسبب الجوع أو العامل الجغرافي.
والذي يعود لمثل هذه الدراسات أو المقالات التي كتبت عن هذه الفئة المسكونة بالوجع يجد العجب العجاب فقد قرأت لأديبنا سليمان الفليح عدداً من المقالات التي تتحدث عن هؤلاء الصعاليك واعجبت لطرقه لدقائق الأمور.. وهو الكاتب الوحيد الذي زاوج في أطروحاته الأدبية بين قدمائهم ومحدثيهم ولديه كنز من المعلومات الهائلة في هذا الشأن.. كما أن اغلبية الناس تتعاطف نفسياً معهم ويحفظون لهم الود والمحبة ولكنهم يرفضونهم في أساسيات الحياة وتنظيماتها الاجتماعية وهذا يتنافى مع مقومات حب الشيء، إن الصعاليك من الشعراء ما هم إلاَّ نماذج حية لماهية الإنسان الرافض للانحناء والذي لا يمكن تطويعه أو إدراجه في ثنايا تقبل الأشياء على علاتها.. إذن هو صاحب رأي يجب علينا احترامه ولكن يبدو أن كيفية معالجة الرفض شعراً أو السخط هو ما جعلهم يتميزون على غيرهم.
وعلى هامش الحديث عن هذه الدراسة أرى أن هناك من يتقمص شخصيات الصعاليك في وقتنا الحاضر مع أنه يفتقد إلى أدنى مقومات “الصعلكة”.. وهو يحاول لفت الأنظار تجاه تجربته على حساب قيم الصعاليك.
تلويحة لسليمان المانع
هاك الصراحة واتعس الدرب قدام
ما خنت شاعر داخلي يوم اخونك
لا تعقدين حجاجك الغض وأنظام
ما صنت نفسي من شقا كيف اصونك