منصة المشاهير العرب مرخصة من الهيئة العامة للاعلام المرئي والمسموع السعودي , ترخيص 147624
مجالس العز

أقدم مصادر الحضارة والابتكار لآلاف السنين.. الطين وتطبيقاته المستقبلية

12/ يناير /2021
avatar admin
174
0

معادن الطين هي أحد الموارد الطبيعية الأساسية التي يستخدمها الإنسان، وقد ساهمت في تطوير العديد من المجالات: الإسكان، الأدوات، الفن، التواصل، الصحة، النظافة، المواد المختلفة. وتمثّل هذه المعادن، التي تتكوّن من خليط من الطين والرمل والقش المحطّم؛ أولى مواد البناء، ولا تزال تستخدم في جميع أنحاء العالم إلى اليوم.
منذ القدم كان لمادة الطين دور رئيس في تطوير الاتصال، ويعود تاريخ السومريين والبابليين والآشوريين والحثّيين إلى 4000 قبل الميلاد، وقد نقشوا أختامهم في ألواح طينية باستخدام قصبة مدببة، وكانت أيضاً أول دعامة للكتابة المسمارية، وهي دعامة قابلة لإعادة التدوير، لكن هذه الألواح الطينية غير المطبوخة ظلت هشة حتى بعد تجفيفها في الهواء أو تحت الشمس، لذلك كان يكفي نقعها في الماء حتى يتم إعادة استخدامها. من ناحية أخرى، بتعرضها لحرارة شديدة في الفرن؛ يمكن حفظ الألواح الطينية، وهو ما مكّن بالتالي من إنشاء أولى المكتبات في التاريخ.

 

كما أن خصائص المعادن الطينية الماصة جعلتها مواد مفضلة في المجال الصحي، على شكل كمادات، أو ضمادات للاستخدام الخارجي. ويستخدم الطين أيضاً في تكوين العديد من مستحضرات التجميل (صابون، أقنعة، مكياج)، أو يتم تطبيقه مباشرة كما في حالة الغاسول، الذي يمتص المواد الدهنية. ويمكن أن تساهم أنواع الطين الأخرى في ترطيب البشرة وتنقيتها وإعادة تمعدنها. ويمكن أيضاً أن يكون مفعول الطين مطهراً وشفاء.

بنية معادن الطين
كانت معادن الطين موجودة منذ آلاف السنين في تاريخ البشرية، لكن هيكلها لم يكن مفهوماً حتى عشرينات القرن الماضي بعد اختراع تقنيات حيود الأشعة السينية.
ويستخدم مفهوم (الطين) لتسمية جميع الجسيمات المعدنية التي يقل حجمها عن ميكرومترين، وهذا الحجم هو بترتيب دقة المجهر الضوئي. وبالتالي، فإن بلورات معادن الطين صغيرة جداً، وفحص هيكلها بالتفصيل لم يكن متاحاً قبل تطوير المعدات بدقة أعلى، ليتضح أن طول الأشعة السينية على نفس مقياس المسافات بين الذرات في البلورات. وبعد اكتشاف ظاهرة حيود الأشعة السينية والعلاقة بين الطول الموجي للأشعة السينية والمسافة بين الذرات؛ أصبح من الممكن دراسة التركيب البلوري، بما في ذلك بنية المعادن الطينية.
في عام 1927، حدّد العالم الفرنسي تشارلز موجين بدقة متناهية حجم الشبكات البلورية للميكا وتركيبها الكيميائي. ثم في عام 1930 كان الكيميائي الشهير لينوس بولينج أول من حل تركيبات المعادن الطينية: التلك، والبيروفيلايت، والمسكوفيت، والكلوريت. وهكذا، نعرف اليوم التركيب الدقيق لهذه البلورات الصغيرة. حيث يتكون هيكلها من طبقات سيليسية أو مغنيسية تشكّل صفائح تتراكم بدورها لتشكيل بلورات رقائقية. والعناصر الرئيسة التي تدخل في بنية المعادن الطينية هي Si وAl وMg وO وH، ولكن يمكن العثور على العديد من العناصر الأخرى مثل Fe وNi وZn.
يأتي التنوع الكبير في معادن الطين من إمكانية الجمع بين هذه العناصر بعدة طرق محددة جيداً، لا سيما من خلال استبدال عنصر بعنصر آخر داخل رقاقة. وهذا سوف يمنح، من ناحية أخرى، خصائص فريدة ومختلفة للغاية اعتماداً على كمية وموضع البدائل في هيكل معادن الطين. يمكن أيضاً العثور على عناصر أخرى مختلفة مثل الصوديوم أو البوتاسيوم أو حتى الكالسيوم بين الأوراق.

تقليد الطبيعة
يوجد الصلصال على كامل سطح الأرض تقريباً، وله تركيبات وخصائص تعتمد على الظروف الجيولوجية التي تشكلت فيها. بالنسبة للطين نفسه، يمكن ملاحظة خصائص متنوعة للغاية من حيث التركيبات الكيميائية، والتلوين، والتبلور، وطبيعة المراحل المرتبطة اعتماداً على طبيعة الرواسب.
يمكن أن تكون هذه الاختلافات بمثابة مكابح لبعض التطبيقات الصناعية التي من الضروري فيها استخدام مركبات نقية. وهكذا بدأ البحث لتجميع هذه المواد التي في ظل الظروف الجيولوجية يستغرق تشكيلها عدة ملايين من السنين. ويوضح تاريخ توليف التلك كيف نجح الباحثون في تحضير التلك النقي، وتطوير طرق التحضير من خلال طرق متطورة على نحو متزايد.
بعد أن تم إجراء اختبارات التوليف الأولى في درجات حرارة قريبة من 1000 درجة مئوية، وضغوط تصل إلى 2800 بار، وأوقات التبلور تمتد لبضعة أيام؛ أصبح من الممكن الآن الحصول على التلك في بضع عشرات من الثواني من خلال عملية مستمرة في ماء بدرجة حرارة فوق الحرجة – خصائص الماء في الحالة فوق الحرجة (أعلى من 374 درجة مئوية و218 بار) هي حالة وسيطة بين الحالة الغازية والسائلة.
وبصرف النظر عن التلك، فإن المعادن الطينية الأخرى لها الآن نظائرها الاصطناعية، وتسمح طرق التحضير، بالإضافة إلى التحكم في التركيب الكيميائي؛ بتعديل طول الألواح الطينية، وبالتالي فتح الطريق أمام تطبيقات جديدة.
ومن بين أحدث الطرق الاصطناعية التي تم تطويرها، تتيح تقنية (الصل- جل) أيضاً إمكانية تكوين مركبات من نوع التلك، في درجة حرارة وضغط معتدل وفي خطوة واحدة، تشتمل على مجموعات وظيفية، وبالتالي تجنب العلاجات الضرورية بعد التخليق لإعطاء خصائص معينة للمواد.

مواد مستدامة للمستقبل
الطين الذي تم استخدامه لآلاف السنين عبارة عن مواد متعدّدة الاستخدامات. أمّا التطورات الحالية في مجال البيئة (حبس الملوثات العضوية والمعدنية، والحفز.. إلخ) للمواد متعددة الوظائف مثل مركبات طين البوليمر؛ فتسمح لها، على سبيل المثال، باكتساب خصائص مقاومة للحريق. كما تفتح أنظمة الإطلاق المتحكم فيها للجزيئات ذات الأهمية، تحت تأثير تغيير الأس الهيدروجيني أو الضوء أو المجال المغناطيسي؛ الطريق لتطبيقات جديدة في المستقبل، لا سيما في التطبيقات الطبية الحيوية.
كما تشهد معادن الطين على إحياء الاهتمام في مجال البناء، على وجه الخصوص، بإحياء تقنيات البناء بالأرض الخام، وتوفير الخصائص الحرارية والصوتية مع عدم توليد أي انبعاثات للمركبات العضوية المتطايرة، من خلال الخصائص المهمة في كل من تصميم المنازل التي تلبي شهادة (جودة الطاقة العالية) وتقليل تلوث الهواء الداخلي. أخيراً، فإن إمكانية تحضير الصلصال بتركيبة كيميائية محددة جيداً، من خلال طرق تركيبية تحترم البيئة؛ تزيد من توسيع نطاق التطبيقات المستقبلية.

نقلا عن المجلة العربية

عن الكاتب : admin
عدد المقالات : 11252

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.