قصص قصيرة جدا ل عبدالصبور السايح – أبو تشت قنا
( احتراق )
بعد سنوات عديدة التقى بها،كانت النظرات بينهما تدير حوارا قاسيا ، وبقايا شوق قديم فى صدره تنتفض ، حاول جاهدا أن يتناسى كل أوجاع انفصاله عنهاليظفر بثمرة اشتهاها من اللقاء المباغت ،إلا أن جرحا خفيا اعاده للصدمة الاولى فانسحب فى هدوء تاركا فى المكان فرحة تحترق.
(شجرة)
لم تكن إزالة هذه الشجرة -عنده -حدثاعاديا، فقد غلبته دموع كثيرة حاول أن يخفيها عمن يقومون بقطعها تمهيدا لنقلها بعيدا عن مكانها الذى أصبحت أهم معالمه.
منذ طفولته حكى له والده كيف قام بزراعتها فى الحد الفاصل بينه وبين جيرانه ليستظلوا بها وقت العمل فى الحقول ، وتحتها تفتحت وردة مشاعره لسلوى ، وعلى جذعها العملاق رسم قلبا يخترقه سهم أسود وتحتهما خط اسمين تلاشى وجودهماشيئا فشيئا تحت أقدام الزمن حتى فقدا بريقهما تماما بعد زواج كل منهما بآخر، غير أن هذه الشجرة دون سواها كانت تمثل له حالة من الرضا يشعر الآن بآسف شديد لفقدها.
( خوف )
لم أتوقع أن أرى أكفهم الغليظة تخرج من مواضع خطواتى , تحاصرنى ,تشدنى بقوة خارقة دون أن يرانى أحد , بعد وقت طويل كنت أنزف و دمى فطيرة لايشتهيها سواهم وقد تحطمت عظامى واختلط بعضها ببعض ، بصعوبة تعرفت على جمجمتى ، فصببت عليها غضبى ثم ألقيت بها فى هوة عميقة مظلمة ، لكنها -للأسف- كانت تضيء.
(هروب )
حين دارت حوله كفراشة حمقاء ، تمنى ان تنجح خطته التى اعدها لها بخبث شديد ؛حتى يتمكن من الهروب دون أن يتوهج أو تحترق الفريسة.
( إجابة )
فى عيد الام وزعت المعلمة ورودا لأطفالها؛ ليقدمونها لامهاتهم .
فسألتها طفلة لم تتذوق حلوى المناسبة:
– ماتت أمى فلمن أقدمها ؟
فلم تجدالمعلمة جوابا غير أن تحتضنها وتبكى.
( موقف)
بعناد غريب أصر صغيره أن يمتطى ظهره ، فحاول الهروب من الموقف دون جدوى، فرضخ مجبرا للعبة سخيفة ، حين رأى زوجته تحدق فى وضعية جسده وتبتسم كاد أن ينفجر.
( حوار)
زرتها بلا موعد ، تحدثنا فى هموم كثيرة وأحلام قليلة ، لم أبح لها بما أريد ، فى طريق العودة أدرت مع نفسى حديثاً آخر وقلت لها كل شيء بمنتهى الألم .
( مشهد جانبي)
الرجل الذى يقف الآن جوار عروسه لم يكن يعلم أنه قاتل بحسن نية ،لهذا يوزع ابتساماته علينا بسخاء كبير ،نعم لقد صافحنى بيد غير خجلى ووجه لم يعرف شيئا، بينما أغوص فى حزن كبير مختلسا النظر إلى سيدة أواجهها فتكفكف أدمعا نافرة حذرة باصابع لطالما اشتبكت مع أصابعى فى مودة أو تكورت فى راحتي كقطة أليفة.
( ثورة )
الرياح القوية التى حركت شوارع المدينة قبل أعوام لم يحمدها سوى من اقتلعت خوفهم من ضياع الأمل في وطن عظيم.
( تحدى )
-أنا وأنت كالحكومة والدولار وعلى المغلوب أن ينسحب.
جملة قالها لاعب الطاولة لزميله المهدد له بالهزيمة فأثارت دهشة رواد المقهى.
( رد فعل )
كان للرسالة الأخيرة التى وصلته منها مذاق صبارة عجوز، فقد أخبرته فيها دون سابق انذار بإنهاء العلاقة بينهما،لهذا علق ذكرياته الجميلة معها على حائط الصفحة كدليل واضح على صدمته بما حدث.
( المدمن)
بقسوة أمسكوا به، بصعوبة أوثقوه،ثم ألقوا به فى حجرة منزوية ، فراح يلعنهم بألفاظ بذيئة،ظل يصرخ طوال الليل دون أن يجيبه أحد ،ركل الباب المغلق مرات عديدة دون جدوى،سقط على
الأرض مجهدا مقهورا.
بمرور الوقت رضخ لانسحاب المخدر ،بعد شهور خرج إليهم مزهوا بعافيته
شاكرا معروف من مد له يد المساعدة.
( عودة )
لم تصدق عينيها حين رأته ، ثلاثون عاما منذ ودعته بدموع غزيرة ، لم تكن تتوقع أن يغيب عنها أكثر من عام لتتغير حياتهما الى الافضل.
لم تكن الأيام فى غيابه إلا سلسلة متصلة من ألام احتملتها بجلد دون أن تصدق ما أشاعه الكثيرون عن موته فى قصف للمدينة التى يعمل بها، سألت عنه الجهات المختصة فلم تجد من إجابة شافية.
كبر طفلاها، تزوجا ثم هاجرا الى بلاد بعيدة.
كيف لها ان تصدق فرحة تنتفض الآن في خلاياها، حيرة كبيرة تحتويها وهى تتأمل ملامحا تغيرت كثيرا، بيد تسرى فى عروقها دماء شابة سحبته للداخل باشتياق.
(حنين )
هو لا ينكر مطلقا فضلها الكبير فى إخراجه من وحدته التى ارتضاها لنفسه منذ سنوات،ولا قدرتها الفائقة على اسعاده بصورة غير مسبوقة له فى حياته ، فقط كان يجب عليه ان يستعد لتقلبات الواقع و مفاجآت الحياة بشكل افضل، حتى لا يباغته الحنين مرة أخرى بما لا يحب.
( صورة )
على ورقة بيضاء رسم وجهها من ذاكرة ارهقها فراق طويل، رفع الصورة بكلتا يديه حتى أصبحت بمحاذاة عينيه، أطال فى عينيها نظرات عتابه ، فاغمضت عينيها بصورة مدهشة ثم فتحتهما على نهرين من حنين ، بلطف شديد راح يجففهما لتلمع منهما تلك النظرات التى سحرته قبل جرح لم يندمل .
(ابن المحروق )
لم يخف صديقى فرحته التى باغتنى بها كمن حصل على لقية ثمينة ، فما ان علم بخبر وفاة سيد الاعرج الملقب فى منطقتنا بابن المحروق الا واتصل بى، حقيقة لم استغرب كثيرا فكل شئ هالك الا وجهه تعالى، غير ان اصرار صديقى على حضور مراسم دفن سيد الاعرج الذى الحق الضرر بالعشرات ممن يصرخون بعد كل مصيبة جعلنى على يقين تام ان صدور الناس تخفى الكثير.
( براءة )
اكتشف وهو يتأمل صور زفافه قبل سنوات عديدة أنه كان بلا عينين فقرر أن يسجل براءة اكتشافه لعيون لا تري المأساة قبل حدوثها.
( انتباه )
الفتاة الجميلة لم تنتبه لوجوده رغم سعاله المزعج ، كانت تطلب شريطا كاملا من مخدر محظور والصيدلي المرتبك يقدم لها شرابا للسعال ويعطيه المخدر باصرار غريب وهو يتشبث بالسياج الفاصل بينهما حتى لا يسقط من الصدمة .
( نظام )
حين رآهم يشكلون تظاهرة حاشدة فى أحد الميادين ، حاول معرفة السبب فأخبره أحدهم أن حملة المرافق مرت قبل ساعتين بسيارات ضخمة واسلحة لامعة فاثارت الذعر بينهم ثم حملت معها بضائعهم تحت ادعاء مخالفتهم لنظام الشارع.
كعادته أبتسم ساخرا ومضى.